سمير عطا الله

هذا في أوائل الثمانينات. أو في أوائل، أو أواخر، أي عقد من عقود العالم العربي: الكاتب البريطاني إريك نيوبي (وزوجته) يقومان بجولة على مدن المتوسط من أجل كتابه «على شواطئ المتوسط». ينهي زيارة إلى ليبيا، ويستقل الباص من طرابلس إلى صفاقس، حيث سوف يستقل القطار إلى تونس العاصمة. مسافة الرحلة نحو 500 ميل. رفاق الرحلة 12 عاملاً تونسيًا عائدين إلى بلدهم، إما في إجازة، أو نهائيًا، واحد من هؤلاء ترافقه زوجته. الزوجة تمشي على عكاز، لأنها على ساق واحدة.

يصل الباص إلى الحدود وقت العشاء عند موظفي الجمارك. أمام الباصرتل من ست سيارات، يدقق في هويات ركابها وفي حمولتها، موظف واحد. الباقون موعد عشائهم في الصالة المقابلة. لا يطول الانتظار. إن هي إلا ست سيارات، لكن يتزايد في هذا الوقت، صف السيارات خلف الباص. 

لا يهم. نحن يهمنا الباص أخيرًا، يبدأ تفتيش ركاب الباص. أنزلوا حوائجكم. الرجل وزوجته ذات الساق المفقودة، عائدان على ما يبدو بصورة دائمة. حوائجهما كثيرة. بطانيات محزمة، وحقائب ورزم ثياب بالية. يستعرضها عضو لجنة الثورة للبضائع الحدودية، صَّرة صَّرة. فمن يدري ماذا تنقل امرأة الساق المفقودة. ساعتان على الجانب الليبي من الحدود. الجانب الجماهيري حيث الحكم للشعب. ثم يعبر الباص إلى الجانب التونسي.

تنفسوا؟ لا. مهلاً. مهلاً. أنزلوا حوائجكم. رجال الجمرك التونسي يطلبون من المرأة وزوجها، كما من جميع الركاب، عرض ما يحملون. المرأة على عكازها تشرح، وزوجها يشرح الباقي، وموظف الجمرك يهز برأسه. ثم التدقيق في حمولات جميع الركاب وُطلب إليهم العودة إلى الباص. عندها، وكما في الجانب الجماهيري الشعبي، صعد إلى الباص شرطي لتفقد الهويات. كل شيء على ما يرام. تقدموا. صرف الباص الذي فيه 12 راكبًا ومؤلف بريطاني وزوجته وسيدة تونسية مفقودة الساق وزوجها، نحو 5 ساعات لعبور بداية الحدود.

مهمة الموظف العربي أن يتلذذ بإذلال مواطنيه. لا الفظ الليبي ولا الفظ التونسي توقف لحظة أمام منظر المرأة البائسة وزوجها الحزين. الناس تنتظر في الطابور والموظفون في الصالة يتمتعون بالعشاء، كأنهم لم يسمعوا بشيء يسمى «النوبة».

عندما يستوقفنا موظف أوروبي أو أميركي لدقائق نكتب مائة مقال ومائة احتجاج. ومن المؤكد أن أحدًا منا لم يَر مشهد السيدة فاقدة الساق على أي حدود غير عربية. ولقد نسيت تفصيلاً بسيطًا: اللافتة المرفوعة على جانبي الحدود، تحيي الوحدة العربية الفورية. أهانها الكبار ومَّرغها الصغار.