صفوق الشمري

لا شك أن زيارة الرئيس الأميركي للمملكة حدث مهم ونقطة تحول في تاريخ المنطقة، ليس لأنها فقط الزيارة الأولى خارجيا للرئيس، مما يعطي دلالات واضحة على أهمية الزيارة، خصوصا أن الرؤساء الأميركيين جرت العادة من باب الأهمية أنهم في أول زيارة يسافرون إلى كندا أو بريطانيا أو دولة ملاصقة لأميركا، ولكن اختيار الرياض رسالة واضحة لا تحمل تفسيرين.

كتب الكثير عن الزيارة، ولا أريد أن أعيد على القارئ نفس الحديث، لذلك سأتكلم عن أوجه أخرى ربما لم يغطها الإعلام العربي بدقة. 

الزيارة أثارت موجة غضب وربما أقرب إلى موجة هلع في اللوبي الإيراني في الغرب، خصوصا في أميركا، وأصدقكم القول إننا تفاجأنا بعدد اللوبي الإيراني هناك، خصوصا لمتابع منذ سنوات لأنشطته، الجيل الثاني من المهاجرين الإيرانيين كونوا قاعدة لها تعاطف مع النظام الإيراني أو بالأحرى النظام يحاول استمالتهم وتحريكهم، ربما آباؤهم كانوا إلى حد ما أكثر بعدا عن النظام الإيراني، بسبب معرفتهم التامة بفظائعه وعانوا ويلات ظلمه.

لكن الجيل الجديد غض ولا يعرف اللعبة القديمة الجديدة، ألا وهي (المتشددون – الإصلاحيون)، وكلاهما وجه لنفس النظام يحركهما كما يريد وحسب الظروف والضغوط الداخلية أو الدولية، لسنوات ندخل في مناوشات في الإعلام الجديد مع أزلام النظام، لكن أثناء وبعد الزيارة زادت الأعداد بشدة وزادت حدة المناوشات، والغريب أن بعض الكتاب الأميركيين ركبوا الموجة، أما مخدوعين بمسرحية الإصلاحيين أو لخلافات مع ترمب، لذلك على السفارة السعودية في أميركا عبء مضاعف الآن! 

لمحاولة تعديل الصورة في الإعلام الأميركي وتكوين رأي عام مساند، يجب تفعيل وبقوة ما يسمى الدبلوماسية الشعبية أو العامة مع جميع شرائح المجتمع وليس فقط مع الإدارة الأميركية، ويجب أن لا نعيد الغلطة السابقة بوضع البيض كله في سلة العلاقة مع الحكومة فقط، أما الشيء الآخر المهم فهو عدم الاعتماد على شركات العلاقات العامة فقط، لكي لا نعيد غلطات الماضي، يجب بناء إدارة محترفة في السفارة والقنصليات لتطوير ومتابعة النفوذ، لقد لاحظنا وهو ليس بسر أن المملكة زادت من عدد شركات العلاقات العامة التي تم التعاقد معها في أميركا مؤخرا، لكن هذا ليس كافيا، والتاريخ أخبرنا ذلك بوضوح، خصوصا في عهد سيئ الذكر أوباما، صاحب الخطوط الحمراء، الذي مكن اللوبي الإيراني من التغلغل في أميركا.

لا شك أن الزيارة أحدثت أثرا في نفسية الرئيس الأميركي، وأكبر دليل هو مدحه للزيارة في كل مكان ذهب إليه بعدها، حتى الأوروبيين شعروا بالغيرة من المدح السعودي، وقد يقول قائل إن الزيارة كلفت الملايين، ورغم عدم علمي بتكاليف الزيارة والقمم الثلاث، لكن للعلم والتاريخ استضافة وفود أكثر من 50 دولة وثلاث قمم ناجحة لا يقدر، وكمثال كندا عند استضافتها قمة دول العشرين والدول الصناعية السبع كلفتها أكثر من مليار دولار (1 .1 مليار دولار)، ولا أعتقد أن تكلفة القمم الثلاثة حتى جزء من هذا المبلغ. 

إن من أهم إنجازات الزيارة هي صفقات السلاح والتوطين، وهل يعقل دولة مثل السعودية ثالث أو رابع دولة في العالم من ناحية الميزانية والصرف العسكري والأمني ولا تنتج إلا أقل من 2%‏ من سلاحها، إن توطين الصناعة العسكرية من أهم أهداف الأمن القومي لأي دولة، خصوصا في محيط الشرق الأوسط المليء بالمشاكل.

 صحيح أننا تأخرنا في التوطين للصناعة العسكرية وهذا ما طالبنا به لسنوات، لكن أن تصل متأخرا خير من ألا تمشي، ولا يهم القارئ السعودي بعض أصوات عرب الشمال، فلقد عاشرنا كثيرا منهم بالغربة، فهم لا يستطيعون أن يستوعبوا كيف لهذا (البدوي الصحراوي-كما يطلقون علينا)، أن يحرز كل هذا التقدم والحضارة، والآن سيوطن أرقى وأدق الصناعات في العالم، وأيضا سيخلق منها وظائف لشعبه.
ربما أفضل خبر سمعته هذه السنة هو تصريح أننا سننقل المعركة إلى إيران، ولن ننتظر أن يأتوا بالنار لبلادنا،
7 سنوات في الصحافة نطالب ونكتب بأخذ زمام المبادرة، ونقل المعركة للداخل الإيراني الهش، لذلك يجب تفعيل الاتفاق السعودي الأميركي لخطوات عملية وسريعة، لقص أذرعة إيران وتحجيمها في المنطقة، وفي نفس الوقت نقل المعركة للداخل الإيراني وبسرعة، فأي شخص يصدق لو للحظة بأن النظام الإيراني يريد الحوار، فهو لا يعرف شيئا عن هذا النظام ولم يقرأ التاريخ. إيران يجب أن تبقى عدوة للسعودية، ليس لأسباب أيديولوجية أو طائفية فقط، ولكن الموضوع أكبر من ذلك ولا أريد إعادة المسوغات، وللاستزادة ومعرفة الأسباب ربما يستطيع القارئ قراءة مقال (إيران يجب أن تستمر عدائية ضد الخليجيين).

أثبت التاريخ دائما أن السياسة هي مصالح وليست عواطف ولا أيديولوجيات، من أهم ثمار القمة هو الاستثمار المتبادل بين البلدين، ما دام أني أستثمر في بلد وأحصل على عوائد وأرباح ونقل تقنية ونفوذ، فمرحبا بالاستثمار والمصالح المشتركة، وهذه أرامكو وسابك وصندوق الاستثمارات ستستثمر في أميركا، والأميركيون سيستثمرون لدينا، فمن كان يصدق أن الرئيس الأميركي في يوم ما سيوبخ شركاءه الأوروبيين على التبادل التجاري، وعلى مساهماتهم الضعيفة في الناتو وسيمتدح المملكة العربية السعودية في عقر دارهم، إنها لغة العصر لغة المصالح المشتركة.