محمد السعيد إدريس

لم يأتِ الانقلاب القطري على ثوابت العلاقات الخليجية داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي، على نحو ما حدث في أعقاب زيارة الرئيس الأمريكي للرياض ولقاءات القمة التي شارك فيها، من فراغ. هذا الانقلاب له جذوره العميقة التي عبّرت عن نفسها أكثر من مرة بسبب هواجس خاصة بقطر لها أبعاد أمنية وأخرى اقتصادية- سياسية مع الدول الخليجية المجاورة وخاصة المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، وامتدت هذه الخلافات إلى دولة الإمارات على نحو ما عبَّرت عنها أزمة عام 2013 وامتدت إلى عام 2014 وبلغت ذروتها بقرار مهم صدر في بيان ثلاثي مشترك لوزراء خارجية السعودية والإمارات والبحرين في 5 مارس 2014 تضمن سحب سفراء من قطر بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على توقيع اتفاقية مشتركة بين الرياض والدوحة بحضور أمير الكويت في سابقة خليجية تعد هي الأولى من نوعها على هذا المستوى.

البيان الوزاري الثلاثي في تفسيره لأسباب قرار سحب السفراء من قطر أوضح أن دول مجلس التعاون بذلت جهوداً كبيرة للتواصل مع قطر على كل المستويات بهدف الاتفاق على مسار نهج يكفل السير ضمن إطار سياسة موحدة لدول المجلس تقوم على الأسس الواردة في النظام الأساسي لمجلس التعاون، وفي الاتفاقات الموقعة بينها بما في ذلك الاتفاقية الأمنية والالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق التأثير السياسي، والتوقف عن دعم الإعلام المعادي.

قطر لم تلتزم بأي من هذه الالتزامات التي تم الاتفاق عليها فيما عُرف «اتفاق الرياض (23 نوفمبر 2013) بحضور أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح والذي وقعه جميع القادة»، الأمر الذي دفع الدول الثلاث إلى قرار سحب السفراء واتبعته السعودية بحزمة قوية من القرارات تضمنت إدراج جماعة «الإخوان» وجماعات ومنظمات جهادية وتكفيرية أخرى ضمن قائمة المنظمات المتهمة بالإرهاب، الأمر الذي فاقم الأزمة مع قطر التي تجاوزت التورط في دعم الإرهاب وجماعاته ومنظماته داخل دول مجلس التعاون الخليجي، لكن هذا الدور أخذ يتوسع ويزداد تعمقاً في دعم هذه المنظمات داخل العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر، سواء بالتمويل والتسليح والإسناد الاستخباراتي أو بالدعم والمساندة الإعلامية والمعنوية وتسخير الآلة الإعلامية القطرية لدعم هذا الإرهاب تحت عنوان زائف هو «دعم الجهاد والمنظمات الجهادية»، ضمن الدور المنوط بقطر في مخطط ما سمي «الربيع العربي».

هذا الدور تجلى في أوسع صوره في الدعم القطري للانقلاب «الإخواني» على ثورة 25 يناير في مصر وقامت بدور أساسي في عملية «تمكين الإخوان» من الاستيلاء على الثورة وفرض حكمهم لمصر باعتبار أن نجاح «الإخوان» في حكم مصر سيكون قاعدة الانطلاق لفرض مخطط سيطرة جماعة «الإخوان» على الحكم في الهلال الممتد من سوريا إلى الأردن ومصر وليبيا الذي توهمت قطر أنها بتحالفها مع تركيا ستكون قادرة على إنجاحه، لكن ثورة الشعب المصري في 30 يونيو 2013 أسقطت هذا المخطط، الأمر الذي أثار الجنون القطري ضد مصر وثورة 30 يونيو التي فجرها الشعب المصري ضد «الإخوان» مدعوماً من جيشه، وهنا بدأت قطر، مدعومة من تركيا، بالانخراط في المخطط الجديد لإسقاط ثورة 30 يونيو وفرض عودة حكم «الإخوان» إلى مصر.

فقد تبنت قطر خطاباً سياسياً معادياً لثورة 30 يونيو ارتكز على مفهومين:

الأول: التعامل مع هذه الثورة باعتبارها انقلاباً على الشرعية يجب العدول عنه بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي، والإفراج عمن أسمتهم ب «المعتقلين السياسيين» من قادة «الإخوان»، وعودة دستور 2012، وعودة مجلس الشعب المنحل، وإنهاء أي وجود ل «خريطة الطريق» التي كان قد أعلنها القائد العام للقوات المسلحة المصرية في ذلك الوقت الفريق أول عبد الفتاح السيسي واستفتى عليها الشعب يوم 3 يوليو 2013 بعشرات الملايين من المواطنين الذين خرجوا إلى الشوارع تجدد إصرارها على دعم الثورة ومطالبة الجيش بالتدخل لحماية مصر، كما خرجت يوم 26 يوليو 2013 لتفويض الجيش بحماية مصر من الإرهاب.

الثاني: الترويج لتوصيف ما يحدث في مصر، في ذلك الوقت باعتباره «أزمة حكم» تهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي وتستدعي التدخل الخارجي في محاولة مستميتة لإعادة إنتاج الأزمة السورية في مصر.

انطلاقاً من هذين المفهومين انخرطت قطر في دعم الإرهاب «الإخواني» داخل مصر وتوفير الملاذ الآمن لقياداته على الأراضي القطرية لمواصلة التآمر ضد مصر وهو التآمر الذي امتد إلى التنسيق بين «الإخوان» ومنظمات الإرهاب التابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي في سيناء ومنها إلى عمق الوادي المصري جنباً إلى جنب مع دعم وتمويل الإرهاب داخل ليبيا والدفع به إلى العمق المصري، وتوظيف هذه الجماعات الإرهابية المترابطة لزعزعة الأمن في مصر، لكن ما هو أخطر دعم التواصل الذي يحدث الآن بين جماعة القاعدة وتنظيم «داعش»، وتحويل ليبيا إلى قاعدة بديلة للإرهاب بعد سقوطهم في العراق وسوريا كي تكون مصر هي المستهدف الرئيسي.

قطر بانقلابها على مقررات القمة العربية - الإسلامية مع الرئيس الأمريكي وتجديد التواصل مع إيران، وعودة «حركة حماس» المدعومة من قطر إلى الحليف الإيراني، يعني أن قطر تتجه إلى أن تكون قاعدة دعم وإسناد للإرهاب ضد الدول العربية.