«أقسم بالله، إنني لست متسولة»، قالتها امرأة في الستين من العمر والدموع تطفو من عينيها، وأضافت أمام محل في شارع الصالحية في دمشق: «أبحث عن عمل. هل تريد طباخة في المطعم أو امرأة تغسل الصحون؟».

هذه المرأة ليست وحيدة في شوارع دمشق التي تعج بالمتسولين من رجال كهول ونساء وأطفال. يعرضون عاهاتهم الجسدية على الأرصفة أو يطأطئون رؤوسهم فوق صناديق ورقية علقت في رقابهم، شرحوا عليها بالخط العريض وضعهم المأساوي جراء التهجير، إضافة إلى نساء صغيرات يحملن رضيعا بيد ويبعن المناديل الورقية باليد الأخرى، وأطفال مشردين يتقافزون بين السيارات عند إشارات المرور للتسول بحجة تنظيف زجاج السيارات.

يصعب تمييز صاحب الحاجة عن محترف التسول أو طالب العمل. يبدو الفقر عاماً حيث ضرب الغالبية العظمى من السوريين وحول أبناء الطبقة الوسطى إلى فقراء. أما الفقراء فقد أصبحوا دون خط الفقر المدقع دون مأوى أو عائل.

ولعل المفارقة الفاقعة في مشهد البؤس المعمم، صعود طبقة «أثرياء جدد» من شبيحة النظام يتباهون بعرض سياراتهم الفارهة وما لديهم من صديقات جميلات، يغدقون عليهن الأموال بسخاء في عيادات التجميل والمطاعم والملاهي الليلية.

وقال صاحب أحد المطاعم في دمشق القديمة إن أغلب هؤلاء من المتطوعين في ميليشيات النظام «يجنون أموالهم من التهريب والتعفيش وترويج المخدرات»، وإنه «لا تقل فاتورة سهرة لمجموعة منهم في الليلة الواحدة عن 500 دولار حدا أدنى»، لافتا إلى أن أصحاب المطاعم يتنافسون على جذبهم.

وتفيد أرقام الأمم المتحدة بأن أكثر من 86 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وهم في حاجة ماسة للمساعدات، بمن فيهم العاملون ممن يتقاضون أجورا شهرية. ومعدل الراتب الشهري الذي تدفعه الحكومة للعاملين في مؤسساتها يتراوح بين 30 و50 ألف ليرة سورية (بين 50 و90 دولاراً أميركياً). وأجر العامل الحرفي في ورشات القطاع الخاص في مناطق الريف تسعة دولارات أسبوعياً.

في المقابل فإن متوسط ما تحتاجه أسرة مؤلفة من أربعة أشخاص شهريا فقط ثمنا لطعام خال من اللحوم يبلغ نحو 400 دولار.