خالد بن حمد المالك

 هناك خلط واضح لدى من يتابع الشأن القطري فغالباً ما تُشْكل عليه الأمور، فيتوه بين قطر وقناة الجزيرة، وتأخذه لغة التاريخ إلى حيث يكون القرار في الدوحة، وما إن يتحدث عن الدوحة حتى يجد نفسه قد ضل طريقه إلى حيث أصبح الحديث عن قناة الجزيرة، دون أن يدرك بأنه أخذ الطريق الخطأ، وأنّ الجزيرة أقرب ما تكون إلى سجن الدوحة، وليس العاصمة القطرية المقصودة للدولة التي كانت الوجهة المعنية للمتابع.

* *

هذه الإشكالية، بأسبابها المعروفة، وجروحها النازفة، وانعكاساتها على الوضع في دولة قطر، وما مثلته وتمثله من خطورة مست وتمس مصالح قطر وبقية دول المجلس في الصميم، هي من قادت إعلامياً هذه المؤامرة الكبرى، وجعلت من الدوحة رأس رمح موجه للأشقاء، لإفساد هذه المنظومة الخليجية، وخلق التوتر بين دولها، وفق خطط مبرمجة خبيثة يقودها نفر من الإرهابيين، ربما لم تجد ذات الاهتمام الكبير لدى الشقيقة الصغرى في البداية، لكنها الآن استوت ونضجت، وأول من أكل طعمها دولة قطر، فقد تحولت إلى دولة إرهابية بامتياز.

* *

لماذا نقول إننا نعجز في فك الارتباط بين قطر الدولة وقناة الجزيرة الصوت المبحوح لنقل الرسائل الإرهابية، كون القناة بأشخاصها وبرامجها لا تجد من يصفها بغير أنها منبر إعلامي وقح لإثارة الشقاق والنزاع بين الدول العربية وتحديداً الخليجية منها، إذ لا تجد مشكلة أو توتراً أو حرباً أهلية في أي دولة دون أن تكون قناة الجزيرة حاضرة وشريكاً في هذه المؤامرات، ناقلة بصوتها وصورها الموقف القطري المغلوب على أمره بجسارة، في ظل عدم ممانعة المسؤولين القطريين من ذلك، وترك الحبل على الغارب لكل صوت إرهابي ناعق، كما هو صوت قناة الجزيرة.

* *

لقد كان مولد قناة الجزيرة، وانطلاق صوتها المبحوح من الدوحة، ممولة من قوت الشعب، وتدار بأفكار وتوجهات وسياسات من يقوم على هذه القناة من تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، الذين استوطنوا في قطر، واحتووا القيادة القطرية لا العكس، وعبثوا إعلامياً، بالصراخ وخلط كل المتناقضات في برامج قناتهم، في تنظيم خبيث هدفه زرع الفتنة، وتصدير برنامج الإخوان المسلمين في إقامة دولتهم الإسلامية المزعومة، وتفكيك هذه الوحدة الخليجية، والتأثير على هذا النسيج الاجتماعي المتميز، بينما أمير البلاد والمسؤولون القطريون الآخرون، إما أنهم تم إخراجهم من هذه اللعبة الخطرة، أو أنهم شركاء في الرأي كما هم شركاء في التمويل.

* *

وهنا يمكن القول: إننا أمام أزمة قطرية حادة، ونارٍ مشتعلة لن تمس إلا عمق قطر وأطرافها، فقناة الجزيرة، وبعد أن أدت هذا الدور الخطير، قناة منتهية الصلاحية، تعيش في الرمق الأخير، بعد أن وهنت، وبان أوارها، واتضحت خطورتها، ونأى الشرفاء المخلصون بأنفسهم عن متابعتها، وبعد أن أصبحنا على علم بما تديره من مخططات لعينة للإساءة إلى استقرار دولنا، واستمرائها في تأجيج الصراع فيها، كما فعلت في إذكاء روح الحماس للانقلاب في مصر على الرئيس حسني مبارك، إلى تأييد الإخوان المسلمين بتوليهم السلطة، وأخيراً إلى مواجهة نظام الرئيس السيسي في مصر منذ الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين الإرهابي في مصر، حيث وجهت ولا تزال أغلب برامجها للتنديد بالنظام المصري الجديد بشكل لا تقوم به وسيلة إعلامية محترمة.

* *

الأكثر من ذلك، تأييد قناة الجزيرة لكل عمل إرهابي، أينما كن مصدره، وفي أي مكان موجه إليه، وذلك انسجاماً مع رؤية الإخوان المسلمين، وبدعم وتأييد من حكومة الشيخ تميم آل ثاني حاكم قطر، فصوت قناة الجزيرة يبث لؤمه مؤيداً القتل والتفجيرات في مصر، ودولة قطر ترسل المال لمن يشارك في الاحتجاجات، وتفعل الشيء نفسه في ليبيا، فالسلاح القطري والمال القطري أصبح حديث الشارع الليبي، وموضع ملاحظة على مستوى العالم، وهكذا نقول عن قطر وقناتها في لبنان وسوريا والبحرين واليمن ودول أخرى كثيرة، ما أصبحت قناة الجزيرة، وكأنها الآمر الناهي، والشريك في الحكم مع الإخوان المسلمين، لدولة لا نعتقد أن ليل هذا الاحتلال لقطر سوف يطول.

* *

لقد اعتمدت قطر إعلامياً على قناة الجزيرة ذات التوجه المشبوه، وسلمتها الخيط والمخيط، وتركتها تشوّه صورة قطر، وتبعث برسائل كريهة إلى الأشقاء، وأوحي إلى سمو أميرها، بأنّ وجود هذه القناة، مع بقاء الإخوان المسلمين وجميع القوى والمنظمات الإرهابية في قطر، يجعل منها دولة كبيرة، وأنه لا خوف عليها من أي مساس بأمنها طالما وجدت القاعدة الأمريكية في أراضي الدولة، فشرب سموه هذا الطعم، واستلذه، وصدّق مستشاريه، ومضى بقوة وباستمرار في دعم القناة، وتمكين المرتزقة من الإعلاميين العرب في فتح أبواقهم للنَّيل من شرف الأمة، وتأجيج الصراعات في دولها.

* *

وإيران -كما كان متوقعاً - دخلت على الخط في دعم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للنَّيل من التفاهم والتعاون مع بقية الدول الشقيقة، وفعل ذلك حسن نصر الله في لبنان وعبدالملك الحوثي في اليمن، وكل المنظمات والأبواق الإعلامية المسعورة، ووظفت قناة الجزيرة لنقل هذا الحراك النتن، وتوريط قطر بأكثر مما هي متورطة فيه، فالوقت المناسب هو الآن بين أيدي أعداء قطر، ولا يمكن للعدو أن يترك فريسته دون الاستثمار بما يلبي طموحاته العدوانية بأكثر مما هو قائم، وهكذا كان الاتصال القطري - الإيراني، والكلام بين الرئيس والأمير التي فاحت كل كلمة فيه عن تعزيز للمؤامرات على دول الخليج، وفقاً لما نقلته قناة الجزيرة وبشرت به، وتباهت بما تم التوصل إليه.

* *

إذن هل نحن أمام دولة، أم قناة تشكل مقومات لدولة قائمة، مع الاعتذار في هذا اللَّبس المقصود مني في تجنُّب تعريف الدولة قانونياً كما في كتب القانون، وبين تعريف جديد تقتضي التطورات القطرية المتلاحقة أن يتم على أساسه إضافة تعريف جديد للدولة، إذ إنّ هناك مشكلة بمن يتابع المشهد القطري، فلا هو يعرف هل الدولة قطر أم الدولة قناة الجزيرة، وهل كبرت قطر بوجود القناة، كما يظن أميرها (المفدى) أم صغرت كما نعتقد، وتقزّمت كما نظن، وتاهت في معرفة الطريق الصحيح كما الأمر واضح لنا، أم أننا أمام دولتين صغيرتين في أرض صغيرة تبحث عن أسلوب لفك اختناقها الحدودي مع الجارة الكبرى بمثل هذه المناورات، موظفة في ذلك كل عناصر الإرهاب، وأبواق اللؤم من الإعلاميين.