حسين شبكشي 

العالم العربي يتشكل «مجددا» وهو يقع اليوم بين محورين أساسيين. محور الاستقرار والأمن والوسطية المنشودة، ومحور التطرف والفتنة ونصرة الجماعات المتطرفة على حساب كيانات الدول.
لعل أبسط توضيح وتفسير لما يحصل بين قطر من جهة وبين السعودية والإمارات ومصر والبحرين من جهة أخرى هو تماما هذا. فالانقسام الحاصل بين الفريقين هو انعكاس لسياسات المحورين. قطر اختارت دعم الجماعات المتطرفة وخرق الصف الواحد.

قطر اختارت نفس الخيار «الإيراني»، اختارت معسكر دعم الفرق ودعم الجماعات الراديكالية وليس الخيار «الوطني» الذي يجمع ولا يفرق. قطر لديها الرغبة في أن تحكم بالوكالة فتكون دولة صانعة للملوك والحكام، دولة تعتقد وتؤمن أنها بقوتها الناعمة كالمال الوفير والإعلام الموجه هي قادرة على «تغيير» الواقع على الأرض تحت شعارات «الثورة» و«الدين»، وهي لم تكتف بأحلامها أن تكون قبلة الثورة والربيع العربي والدين «الثوري»، بل توغلت أكثر لتزايد على مشروع التجديد لمحمد بن عبد الوهاب، فأقامت أكبر مساجدها وسمته باسمه، وكذلك أبدت رغبتها في تزعم إحدى أهم قبائل الجزيرة العربية، كل ذلك لسحب بساط الثقل السعودي (وهي عقدة قديمة لديها) وساهمت في أعمال درامية ووثائقية لتدعيم هذا التوجه لديها.
وفي إحدى المناسبات الفكرية التي حضرتها منذ سنوات قليلة كان أحد الباحثين المهتمين بالشأن القطري يشرح لي أساليب استخدام قطر للقوى الناعمة وتأثيرها المتوقع في العالم العربي، فقال الرجل إن قطر لديها مشروعها منذ «الانقلاب» الذي حصل فيها من الأمير الابن على والده هو انقلاب على الداخل القطري والخارج الخليجي والعربي.
قطر ترغب في أن تؤثر على «كل بيت» ولذلك توسعت في تأسيس أكبر شبكة تلفزيونية بين أخبار من جهة تحت اسم «الجزيرة» وشقيقاتها ومجموعة بي إن المهتمة بالرياضة بمختلف أنواعها، وقريبا ستدخل في الأفلام والدراما، فهي تؤمن بقدرة الإعلام على التأثير وبالتالي التغيير وإعادة صناعة الرأي الجمعي ثم قيادته بسهولة. ولقطر طموح عظيم أيضا أن يكون أحد بنوكها أكبر بنوك العالم العربي حجما وتأثيرا وهو البنك الوطني القطري والذي يتوسع بشكل هائل عبر استحواذات ونمو في رأس المال، وطبعا هناك طموح آخر بأن تتوسع شركة طيرانها لتصبح الشركة الأولى في المنطقة (وهو طرح أدركت مخاطره السياسية السعودية ولم تسمح لها بالممارسة بعد حصولها نظريا على الترخيص للطيران الداخلي).
وحاولت قطر أن تكون قبلة التعليم للقادرين في المنطقة ففتحت مجموعة فروع لجامعات دولية وبالتالي تكون منصة تأثير على شريحة الشباب المقتدر وتغذيهم بأفكار لفروع مجاميع مراكز صناعة القرار المثيرة للجدل والموجودة في الدوحة مثل «راند» و«بروكنجز» و«سابان» وغيرهم.
قطر لا يوجد شيء بريء معها وفيها فهي تخلط السياسة بالدين والاقتصاد وكل أفعالها مسيسة لخدمة مشروعها الذي جاء بعد الانقلاب الذي حصل فيها. وتحذيرات الشيخ زايد من تصرفاتها ذات يوم وغضب الملك عبد الله بن عبد العزيز من أفعالها ذات يوم هو نفس غضب السعودية على ما تقوم به اليوم وهي نفس الغضبة التي جاءت من الأردن والبحرين والمغرب وليبيا لأسباب مختلفة على قطر. الفاعل دائما قطر حتى لا ننسى.. . .