علي عبيد

 قطر دولة عربية خليجية شقيقة، تربطنا بأهلها وشائج دم وقربى ونسب، ويجمعنا تاريخ مشترك، لا نستطيع نحن ولا الشعب القطري الشقيق الانفكاك منه، وما يحدث في قطر منذ عقدين ونيّف من الزمان ليس هو القاعدة التي قامت عليها علاقة أهل قطر مع أشقائهم الخليجيين والعرب، وإنما هو شذوذ لا يمكن أن نتقبله نحن، ولا نعتقد أن أهل قطر، الذين نحبهم، يمكن أن يتقبلوه.

فحين تطلق قطر قناة تلفزيونية لا هم لها سوى إثارة الفتنة، وزعزعة أمن الدول الخليجية والعربية، واستضافة المنشقين والمارقين على أوطانهم، الساعين لهدم بلدانهم، فهذه ليست قطر التي نعرفها ونحب أهلها.

وحين تحتضن قطر أقطاب التطرف، ورموز الفتنة، والخونة الهاربين من بلدانهم، ليديروا معاركهم من أرض قطر، ويحرضوا على القتل والعنف ونشر الخراب، وتقدم لهم قطر الملاذ الآمن، والدعم المادي والمعنوي والإعلامي، فإن هذه ليست هي قطر التي نعرفها ونحب أهلها.

وحين ترتمي قطر في أحضان النظام الإيراني، وتوقع معه الاتفاقيات، في الوقت الذي يجاهر فيه هذا النظام الطائفي العنصري بعدائه لأشقائها الخليجيين وأبناء شبه الجزيرة العربية، ويعمل على تغذية الفتن الطائفية في المنطقة، ويمد المنشقين منهم بالمال والسلاح لإثارة الاضطرابات وتدبير الانقلابات على الأنظمة الشرعية فيه.

ولا يخفي نواياه وسعيه إلى السيطرة على عواصم الدول العربية، واحدة بعد الأخرى، بهدف الوصول إلى عاصمة المسلمين؛ مكة المكرمة، والاستيلاء على كعبتهم المشرفة، في الوقت الذي تصرح فيه قطر بأن إيران تمثل ثقلاً إقليمياً وإسلامياً لا يمكن تجاهله.

وترى أنه ليس من الحكمة التصعيد معها، وتقول إنها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة، وهي التي تسعى إلى تقويض أمن المنطقة وزعزعة استقرارها، فإن هذه ليست هي قطر التي نعرفها ونحب أهلها.

وحين تتفق الدول الخليجية ومصر على تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، تسعى إلى الاستيلاء على السلطة، وتغذي الفتن في كل مكان، وتعمل في الخفاء على تنفيذ أجندتها التي أصبحت مكشوفة بعد الربيع العربي المزعوم، ولم يعد أحد ينخدع بمراوغاتها وأساليبها، بينما تصر قطر على تصنيفها جماعة غير إرهابية، فإن هذه ليست هي قطر التي نعرفها ونحب أهلها.

وحين تنكشف حقيقة «حزب الله» أمام العالم أجمع، ويتم تصنيفه حزباً إرهابياً، ينفذ أجندة إيرانية طائفية بغيضة، ولا يخفي أمينه العام إيمانه بأن «الولي الفقيه» هو الحاكم الفعلي لبلاد المسلمين، وأنه هو الذي يعيّن الحكام، ويعطيهم الشرعية، لأن ولايته ليست محدودة بحدود جغرافية، وإنما هي ممتدة بامتداد المسلمين.

وحين يهدد هذا الأمين الخائن السعودية والبحرين وغيرهما من دول الخليج العربية، ويتدخل في شؤونهما الداخلية بشكل علني، ويطلق الخطب النارية مهاجماً الأنظمة التي يجمعها مع قطر مجلس تعاون خليجي، وتقول قطر إن «حزب الله» حركة مقاومة وطنية، فإن هذه ليست هي قطر التي نعرفها ونحبها.

وحين يعترف العالم كله بأن «منظمة التحرير الفلسطينية» هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتقول قطر إن «حماس» هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، لا لسبب سوى أن «حماس» تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي تدعمها قطر وتنفق عليها، فإن هذا لا يعد خروجاً على الإجماع العربي والخليجي فقط.

وإنما هو خروج على الإجماع الدولي، الذي لا يعترف بممثل شرعي للشعب الفلسطيني سوى منظمة التحرير الفلسطينية، وتصنف بعض دوله «حماس» منظمة إرهابية، بعد أن ظهرت بصمات أصابعها واضحة على ما يحدث في أرض سيناء من عمليات إرهابية، يذهب ضحيتها أفراد من الجيش المصري البطل، وعدد من أبناء الشعب المصري، فإن هذه ليست هي قطر التي نعرفها ونحب أهلها.

وحين يصبح المحرض الرئيسي ضد جيران قطر وغيرها من الدول العربية، وحامل لواء الثورة الكبرى، كما يحاول أن يقدم نفسه عبر قناة «الجزيرة» القطرية، عضو الكنيست الإسرائيلي السابق، المتلون الأكبر؛ عزمي بشارة، حين يصبح مستشاراً للديوان الأميري في قطر، وصاحب النفوذ الأعلى في مركز القرار القطري، وبوق الإعلام الذي تسلطه قطر على غيرها من الدول.

وتفتح له خزائنها لإنشاء مراكز الأبحاث والدراسات، وإطلاق القنوات التلفزيونية المعادية للدول الخليجية والعربية، بهدف مهاجمة السعودية ومصر والبحرين، وغيرها من الدول التي تختلف مع أجندة قطر الغريبة، والإضرار بالقضية الفلسطينية التي يتاجر بها بشارة ليخدعنا، فإن هذه ليست هي قطر التي نعرفها ونحب أهلها.

وحين تتخذ قطر موقفاً عدائياً واضحاً من مصر «غير الإخوانية»، لا لسبب سوى أن مشروع الإخوان المسلمين للاستيلاء على السلطة فيها قد فشل وتبخر، بعد أن انكشفت عورتهم وانتفض الشعب المصري ضدهم، فإن هذه ليست هي قطر التي نعرفها ونحب أهلها.

حين يحدث هذا كله، يحق لنا أن نتساءل: إلى أين ذاهبة قطر؟ وماذا تريد قيادتها؟ وأين هم العقلاء من أهلها؟

نحن نعلم أن العقلاء من أهل قطر ليسوا قلة، بل هم كثيرون، وقد ظهر صوت بعضهم، لكن أصوات المجانين، والأبواق التي يطلقها النظام القطري تبدو هي الأعلى حتى الآن، فهل من الحكمة أن يصمت العقلاء، بينما الريح تعصف بالسفينة القطرية وتكاد تغرقها بكل من فيها، أم أن الحكمة تقتضي أن يعلو صوت العقلاء قبل أن تبتلع مياه البحر السفينة، فلا تعود قطر هي قطر التي نعرفها ونحب أهلها؟