عمر العبيدلي

استدعى تراجع أسعار النفط في دول مجلس التعاون، فرض ضرائب جديدة، كضريبة القيمة المضافة التي ستُطبّق في مطلع عام 2018، فضلاً عن خفض الدعم الذي يتمتع به المقيمون، المواطنون والأجانب. وبما أن هذه السياسات يمكن أن تؤدي إلى تراجع مستوى المعيشة لدى المقيمين، طالب الكثير من المواطنين الخليجيين فرض الضرائب وخفض الدعم للأجانب وليس للمواطنين، سعياً لحماية مستوى معيشة المواطن على حساب الأجنبي.

ويرافق هذا الرأي تصور أن الأجانب العاملين في دول مجلس التعاون هم محظوظون، وأن وجودهم في الخليج يعكس كرم الشعوب الخليجية، بالتالي يحق للمواطن الخليجي أن يفرض على الأجنبي مسؤولية تحمّل ألم التقشف نيابة عنه، لأنه ضيف بالأساس. وبعيداً من الاعتبارات الأخلاقية، فإن هذه النظرة تعاني من ثغرتين:

أولاً: الأمر الأبسط، وهو أن وجود اليد العاملة الوافدة في الخليج ليس مبادرة إنسانية، أو مشروعاً خيرياً، بل هو يعكس سياسة اقتصادية، مرسومة بناءً على نظرة لمصلحة المواطن الخليجي. والسياسات الذكية تسعى إلى مساعدة المواطن من طريق مساعدة الأجنبي - إن أُتيحت الفرصة لذلك - وأهم مثال على ذلك في الاقتصاد العالمي هو التجارة الحرة، حينما تستبدل دول مجلس التعاون النفط بالسيارات في الأسواق الدولية، ويستفيد الطرفان، ولا تمثّل المعاملة مبادرة خيرية من أحد الطرفين تجاه الآخر.

وفي ما يخص اليد العاملة الوافدة في الدول الخليجية، كانت الاقتصادات الخليجية ضعيفة قبل اكتشاف النفط، نتيجة للمناخ الصحراوي، الذي يقلل من الموارد الطبيعية التي يمكن بناء اقتصاد عليها، لا سيما مقارنة بالأراضي الخصبة في الدول الغربية. بالتالي حينما انفتح باب تصدير النفط، برزت فرصة تحقيق نمو متين. ولكن قلة الموارد البشرية الخليجية، عدداً وخبرة، فرضت على الدول الخليجية استيراد أيدٍ عاملة.

وعلى سبيل المثال، اعتمدت السعودية اعتماداً محورياً على الخبرات الأميركية لتطوير قطاعها النفطي، الذي حرّك الاقتصاد وما زال. وتستمر هذه الحالة اليوم، إذ الاقتصادات الخليجية بحاجة للأجانب في الكثير من القطاعات، بسبب خبراتهم، واستعدادهم للعمل بدأب مقابل رواتب متدنية، ما يسمح للمواطن الخليجي بأن يحصل على مختلف السلع والخدمات بأسعار مخفضة. بالتالي حينما تقدَّم فرصة عمل في الخليج العربي لأي أجنبي، فإن ذلك يمثّل عرضاً يخدم مصلحة الطرفين، وليس عملاً خيرياً. العمال الوافدون هم شركاء في الاقتصاد الخليجي، وليسوا ضيوفاً أو مستفيدين من صدقة مقدَّمة من المواطنين. هناك استثناءات، كاللاجئين في السعودية، ولكن لم يطالب المواطن الخليجي بعد بفرض ضرائب أو خفض الدعم على تلك الفئة، لأنهم فعلاً بحاجة لمساعدات على أساس إنساني.

ثانياً: يختلف الأثر السطحي للضريبة عن الأثر الحقيقي. فحينما تفرض الحكومة ضريبة على معاملة تجارية بين طرفين، يندلع صراع بينهما على من سيتحمل الكلفة فعلياً، وقد لا يطابق ذلك من يتحملها شكلياً. والعامل المحدد الأساس هو قدرة كل طرف على إيجاد بديل للمعاملة، للتهرب من الضريبة. إذاً من يعتمد على المعاملة، وليس لديه بديل، فسيتحمل سهماً أكبر من الضريبة.

وعلى سبيل المثال، حينما تفرض الحكومة ضريبة على مبيعات التبغ، فإن الشركات التي تبيع السجائر، هي التي تدفع هذه الضريبة شكلياً، وليس المستهلكون. ولكن المستهلك يدمن السيجارة، بالتالي تتمكن الشركات من رفع أسعار السجائر من دون تراجع ملحوظ في المبيعات، ومن ثمّ ستتمكن الشركات من تحميل المستهلك الضريبة فعلياً، على رغم الواقع الشكلي.

وعلى عكس ذلك، إذا فرضت الحكومة ضريبة على حليب شركة «المراعي» مثلاً، فلن تتمكن الشركة من تحميل المستهلكين الضريبة، لأنها إن حاولت أن ترفع الأسعار، فسوف تنهار مبيعاتها، نتيجة لتعدد البدائل المتاحة للمستهلك، كحليب «ندى»، و «السعودية»، وغيرهما. وينطبق المبدأ ذاته على اليد العاملة الوافدة في الخليج. فإن فُرضت ضريبة على معاملة تخصهم، مثلاً على توظيفهم، أو مشترياتهم، فمدى تحمّل الأجانب الكلفة الفعلية يعتمد على قدرتهم على تشكيل بديل للعمل في تلك الدولة، مقارنة بقدرة مواطني تلك الدولة على تشكيل بديل للوافدين.

وفي الكثير من المجالات، يتضح أن اعتماد المواطن الخليجي على الأجنبي يفوق اعتماد الأجنبي على المواطن الخليجي، وخير مثال على ذلك قطاع التشييد. ويتوقع، في حالة فرض ضريبة، أن ترتفع رواتب الأجانب كي يحافظوا على مستوى معيشتهم، ويتحمل المواطن الخليجي الضريبة فعلياً من خلال ارتفاع أسعار السلع، على رغم تحمل الوافد الضريبة شكلياً. وتقوى يد الوافد في التهرب من الضريبة فعلياً إذا فرضت دولة خليجية ما ضريبة على الوافدين من دون ضريبة مماثلة في الدول الخليجية الأخرى، لأنه قادر على العمل في دولة خليجية أخرى. وحتى في حالة التنسيق، فإن دول مجلس التعاون تمثّل مجرد خيار واحد بين خيارات عدة للوافد.

ولا يعني ذلك أنه لا يوجد مجال لفرض ضرائب على الأجانب، أو مطالبتهم بالمساهمة في التقشف. ولكن يجب أن يكون القرار مبنياً على نظرة واقعية حول من سيدفع الضريبة فعلياً، وليس على نظرة عاطفية حول دور الوافد الاقتصادي. كما يجب التعامل مع الوافدين كشركاء، لا كمستلمي صدقة، احتراماً لدورهم الحقيقي في إنجازات الخليج الاقتصادية.