لطيفة العروسني

حمل عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية المغربي، أمس، جهات لم يسمها، مسؤولية الإصرار على تواصل الاحتجاجات بإقليم الحسيمة وفق «مخطط مدروس»، رغم التفاعل الإيجابي للحكومة مع مختلف المطالب الاجتماعية للسكان.

وقال لفتيت، الذي كان يتحدث أمس في الجلسة العامة المخصصة للأسئلة الشفهية بمجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، تناولت للمرة الأولى الاحتجاجات التي تعرفها منطقة الحسيمة منذ سبعة أشهر، وذلك بحضور وزير العدل محمد أوجار، إن كل المجهودات التي بذلتها الدولة في الإقليم تطرح أكثر من علامة استفهام عن المغزى من إصرار البعض على السلوك الاحتجاجي اليومي والمتواصل، رغم التفاعل الإيجابي للحكومة مع مختلف المطالب المعبر عنها.

وتساءل لفتيت عن «من له المصلحة في دفع الحوار الذي فتحته الحكومة مع السكان إلى طريق مسدود، ومن المستفيد من تبخيس الجهود التنموية للحكومة في المنطقة وخلق حالة الإحباط؟»، مضيفا أن هذه «التساؤلات تجد مصداقيتها أكثر إذا ما تم استحضار المخطط المعتمد من طرف بعض الجهات، الهادف إلى تضليل الرأي العام، ونشر وقائع غير صحيحة من خلال صناعة ونشر الأخبار الزائفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل الفورية، وذلك بشكل دقيق يتم عبره الحرص على اختيار التوقيت والمضامين بعناية فائقة، تؤكد الطابع المدروس لمثل هذه الممارسات».

في غضون ذلك، طالب نواب من الأغلبية والمعارضة باعتماد مقاربة سياسية وحقوقية لمواجهة حراك الريف، ووقف اعتقال النشطاء الذي تسبب في نظرهم بتأجيج الاحتجاجات، حيث دعا نور الدين مضيان، رئيس الفريق النيابي لحزب الاستقلال، وهو من أبناء الحسيمة، إلى العفو الشامل عن المعتقلين وإطلاق سراحهم وإطلاق مصالحة وطنية، وقال إن الدولة أخطأت التقدير عندما شرعت في الاعتقالات، بحيث أصبحت مطالب المحتجين اليوم هي الإفراج عن المعتقلين، وليس مشروعات التنمية.

بدوره انتقد إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية «تخوين» المحتجين وتوجيه تهم الانفصال إليهم، فيما طالب النائب عبد الله بوانو من الفريق نفسه بإسقاط التهم عن المعتقلين وإعادة تكييفها.

وفي هذا السياق، قال وزير الداخلية، إن حرص الدولة على تحقيق الظروف الملائمة لتحقيق التنمية وتوفير شروط العيش الكريم للسكان يوازيه حرصها على توفير حياة آمنة للمواطنين وحماية جميع حقوقهم، مضيفا أنه «إذا كانت السلطات العمومية قد ضمنت الحق في حرية التعبير وحرية التظاهر لمدة سبعة أشهر فإنه في المقابل عليها واجب فرض سلطة القانون، وتطبيق الإجراءات القانونية في حق المخالفين تحت رقابة السلطة القضائية التي تبقى أحكامها ملزمة للجميع». وأوضح لفتيت أنه «عندما يسعى البعض لاختراق القانون وعدم احترامه بعيدا عن المطالب الاجتماعية، فإن الدولة لا تبقى في وضعية اختيار بشأن إمكانية تطبيق القانون من عدمه، بل هي ملزمة كذلك من منطلق صلاحياتها بحفظ الأمن، والحفاظ على سلامة الأفراد والجماعات والممتلكات، وتوفير ظروف مواتية لممارسة جميع حقوقهم، وعلى رأسها الحق في حياة آمنة مستقرة»، مشيرا إلى أنه «لم يتم اعتقال أي شخص من المتظاهرين منذ بداية حركة الاحتجاجات بإقليم الحسيمة إلا بعد أن تم اللجوء إلى عرقلة حرية العبادة بأحد مساجد المدينة من خلال منع الخطيب من إتمام خطبته أمام المصلين، وتوجيه وابل من السب والقذف في حقه دون مراعاة حرمة المكان المقدس وحق المواطنين في صلاة آمنة»، في إشارة إلى ما قام به ناصر الزفزافي متزعم الاحتجاجات المعتقل.

وردا على ما أثير حول تعرض المعتقلين للتعذيب والاختطاف، أكد لفتيت أن «جميع الأشخاص المتابعين يتمتعون بجميع الضمانات التي يخولها لهم القانون، وفي مقدمتها قرينة البراءة، كما أن أماكن اعتقالهم معروفة للجميع على عكس ما يروج له البعض من ادعاءات باطلة لم يعد من المقبول تصورها، أو اللجوء إليها في مغرب اليوم». وكشف المسؤول المغربي عن أنه منذ 28 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي جرى تنظيم 843 احتجاجا، أي بمعدل أربعة احتجاجات في اليوم، كما جرى الاعتداء على 205 من عناصر الأمن خلال هذه المدة من مختلف التشكيلات وتعريضهم لإصابات متفاوتة الخطورة، وتسجيل خسائر مادية تتمثل في تدمير أو إحراق 42 سيارة أمن، فضلا عن الإحراق الكلي لبناية معدة لسكن العناصر الأمنية بامزورن.

ورغم ما أثير من انتقادات بشأن المقاربة الأمنية التي اعتمدتها الدولة في التعامل مع الاحتجاجات، فقد أعلن لفتيت أن «الدولة ستواصل بكل حزم حرصها على احترام القانون، وردع المخالفين له بما يضمن أمن المواطنين ويحفظ الاستقرار الذي تنعم به المنطقة». بيد أن وزير الداخلية شدد في المقابل على أن «التصرفات غير المسؤولة للبعض لن تثني الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها التنموية تجاه سكان إقليم الحسيمة كما بباقي المناطق»، مؤكدا أهمية دور الأحزاب السياسية والنقابات والمنتخبين وجمعيات المجتمع المدني ووسائل الإعلام الجادة في مواكبة هذه المجهودات، وأشار إلى أن «الدولة تعتبر تحقيق التنمية أولوية استراتيجية وليس رد فعل ظرفي». كما تعهد لفتيت، الذي استعرض برامج التنمية التي أطلقت في المنطقة منذ 2015 بانتهاء الأشغال فيها نهاية 2019 مقرا بتأخر التنفيذ.

من جهته، قال وزير العدل محمد أوجار، إن السياسية الجنائية التي اعتمدت في مواجهة الاحتجاجات اتسمت بكثير من الليونة والمرونة واحترام القانون، ولم يتم التدخل إلا بعد أن تم خرق القانون من طرف بعض المتحجين.

ودعا أوجار، في الجلسة ذاتها، النواب إلى التعامل مع هذا الملف بكثير من الوطنية والنضج لأنه ليس موضوع تبادل الاتهامات، مشددا على حرص الحكومة على المقاربة الحقوقية للملف، ومؤكدا أنه «لن يظلم أحد، والأصل هو قرينة البراءة، وتمكين المعتقلين من المحاكمة العادلة»، وزاد أوجار أنه حتى الآن لم يحتج أي محام، وكذلك المعتقلون لم يدعوا تعرضهم للتعذيب. 

في غضون ذلك، أوقف متزعم احتجاجات الحسيمة ناصر الزفزافي احتياطيا في سجن بالدار البيضاء بعد أسبوع على توقيفه كما أعلن أمس محامي الدفاع.

وبعد جلسة حضرها «عدد كبير من محامي الدفاع» قرر قاضي التحقيق في محكمة الاستئناف في الدار البيضاء وضع الزفزافي في الحبس المؤقت مع ستة ناشطين آخرين، كما قال عبد الصادق البشتاوي أحد محامي الدفاع.