غانم النجار 

لم يكن السؤال مهماً، أو هكذا يفترض. فقد حصلت الكويت على 188 صوتاً من أصل 193 ، لكن الذهنية الكويتية المتشككة أبت إلا أن تركز على من صوت ضدنا، وهم خمس دول فقط، والتفتنا عن الإنجاز الكبير بالحصول على رقم هو الأعلى بين الدول العربية منذ سنوات طويلة. ولن يكون مستغرباً أن يتقدم نائب ما بسؤال عن الموضوع. المؤسف أنه تم الزج بأسماء دول عربية بذلت جهداً معلناً وكبيراً لحشد الدعم للكويت، وكان في ذكرها تجن وظلم لا معنى لهما.

مسيرة العضوية بدأت بحصول الكويت على دعم مجموعتها الجغرافية "آسيا والباسيفيك" مبكراً، كما سحب اليمن ترشحه، وتلتزم الدول باتفاق المجموعة الجغرافية، وحدوث انشقاقات أمر نادر في المنظومة الدولية، على كل المستويات. في حالة الكويت هذه المرة لم يكن لها منافس، ونجاحها كان مضموناً فتركزت الحملة على الحصول على رقم عال.

نتائج الدول الأربع الأخرى، بولندا 190 وساحل العاج 189 وبيرو 186 وغينيا الاستوائية 185 ، توضح تقارباً كبيراً في الأصوات، وتدل على حجم التوافق بين المجموعات الجغرافية وتبادلها للأصوات. بالطبع هناك استثناءات وسوابق، كما حدث مؤخراً بين هولندا وإيطاليا حيث تقاسمتا السنتين.

ما هي الدول الخمس التي لم تصوت للكويت؟ المؤكد أن إسرائيل لم تفعل لأن الكويت لم تطلب منها ذلك، ولم تتواصل معها، وهي قواعد معروفة في الانتخابات الأممية. والمؤكد أيضاً أن ليبيا لم تصوت لأنه لم يكن مسموحاً، لعدم تمكنها من سداد اشتراكاتها، وبموجب المادة 19 من الميثاق فإنه لا يحق لها التصويت. تتبقى 3 دول هناك تخمينات قوية حولها، ولكن الجزم في هذه المرحلة غير مفيد. إلا أنه من المؤكد أنه ليس من بينها دولة عربية. هناك اتفاق ضمني غير مكتوب مفاده ضرورة وجود دولة عربية في مجلس الأمن، وهو من ضمن "عاداتنا وتقاليدنا" الخاصة بالأمم المتحدة. وحيث إن الدول العربية منقسمة بين إفريقيا وآسيا فقد ذهب الاتفاق إلى أن تكون مرة لدولة عربية إفريقية والدورة التي تليها لدولة عربية آسيوية، وهكذا حلت الأردن محل السعودية عندما قررت الانسحاب من العضوية في 2013، كونها دولة عربية آسيوية، ثم حلت محلها مصر التي حلت محلها الكويت، وستحل تونس محل الكويت.

كل هذه تفاصيل مهمة بمعطياتها، إلا أن الأهم بالطبع هو الدور الذي ستقوم به الكويت بوجودها بمجلس الأمن. أمام الكويت ملفات صعبة وتحديات كبيرة، فعضوية مجلس الأمن ليست مسألة شرفية. التحديات من صنفين أولها يتمثل في واقع الملفات ذات البعد الاستراتيجي، وبعضها صار منذ سنين طوال، ودون التقليل من صعوبة بعض تلك الملفات، إلا أنها مستمرة ولا حاجة لاتخاذ قرارات سريعة. التحدي المقلق هو الأحداث المفاجئة، وما أكثرها، في عالمنا المضطرب، التي تتطلب مواقف قد تكون صعبة على الكويت. بالطبع تستطيع الكويت أن تتحرك من خلال الملفات الإنسانية، وبالذات ما يتعلق منها بمناطق النزاع المسلح وحالة اللاجئين الصعبة وحل النزاعات. فسجل الكويت بهذه المسألة متقدم على الكثير من دول العالم، سواء في الدعم المالي والفني المباشر أو الدعم الشعبي للأوضاع الإنسانية الصعبة في المنطقة. أظن أنه صار على الكويت أن تؤسس مركزاً للعمل الإنساني، يتحول إلى مركز تميز وخبرة في حل النزاعات ودراسة التحولات الدولية وتقديم الرأي الفني والسياسي لمتخذ القرار. تتميز الكويت دولياً بفعلها الإنساني الجاد، وسيفتح وجودها بمجلس الأمن المجال لها لتصبح أكثر تميزاً، وتترك كعادتها بصمات في هذا المجال أملاً في أن تضيف لمحات إنسانية يحتاج إليها مجلس الأمن، ولا أظن أن هناك دولة لها هذه الإمكانية كما هي الكويت، متجاوزة بذلك مدة عضويتها لسنتين فقط.

لابد في الختام من الإشادة بجهود العاملين في الفريق الدبلوماسي من الشباب والشياب، فقد بذلوا جهداً تواصلياً مكن الكويت من الحصول على رقم عال غير مسبوق عربياً، وكل ما نتمناه أن يحقق ذلك للكويت حضورها الأممي المتميز.