هدى الحسيني 

«الحياة في أفغانستان بشعة، كل شيء من السياسة إلى العنف يزيدنا إحباطاً. (جيلارا) أطلت لتحمل الأمل ولتتجاوز الوجه البشع وتضخ عليه ألواناً وجمالاً وأسلوب حياة جديداً تكون المرأة هي الأساس فيه» هذا ما قالته فاتنة حسن زاده رئيسة تحرير المجلة النسائية الجديدة التي أصدرتها ورفيقاتها في كابول، وفيها كل ما لا يخطر على بال أحد في أفغانستان. طالبات جامعيات سئمن الإرهاب والسياسة وقررن التحدي، فأصدرن المجلة النسائية «جيلارا» التي لاقت رواجاً كبيراً إلى درجة أن الموزعين في قندهار وحيرات ومزار الشريف اتصلوا طالبين نسخاً منها. صدر العدد بعد عمليتين إرهابيتين هزتا العاصمة كابل، فتفجرت معهما ملفات كثيرة تتعلق بالأمن ووحدة الحكومة، وأيضاً بالدور الذي تلعبه باكستان الذي يؤدي إلى ارتماء حكومة أشرف غني في أحضان الهند.
العملية التي وقعت في محيط السفارات زادت من الانقسام بين القوى السياسية التي هي ضد طالبان. وما لم يتم احتواء الخلاف وبسرعة، يصبح من الممكن أن يؤدي إلى أزمة سياسية تزعزع الحكومة أكثر فأكثر.
الصراع الآن تقوده «جمعية اسلامي»، حيث عبد الله عبد الله الرئيس التنفيذي للحكومة عضو فيها، وحاكم مزار الشريف عطا محمد نور، وهو ايضاً عضو في الجمعية ووزير الخارجية صلاح الدين رباني ابن القائد الذي قتل بعملية إرهابية. والجمعية من أقوى الأطراف السياسية وأغلب أعضائها من الطاجيك. يطالب هؤلاء بطرد مستشار الأمن القومي ووزير الأمن شرطاً للبقاء في الحكومة. ويرفضون لقاء الرئيس أشرف غني قبل أن يطرد المسؤولين الأمنيين. هناك بعض القادة السياسيين يشجعون على الوحدة، واللقاء والاتفاق، لكن كي ينجحوا في مسعاهم يحتاجون إلى جهود من أطراف خارجية مهتمة بالوضع في أفغانستان.
يقول السفير الأميركي السابق لدى أفغانستان والعراق زلماي خليل زاد، قد يكون هدف العمليات الأخيرة تمزيق وحدة الحكومة، بين أهداف أخرى يريدون تحقيقها.
لكن هل يمكن تصحيح أفغانستان قبل تصحيح الأوضاع في باكستان؟ يقول خليل زاد: هناك خياران أمام أفغانستان وأمام الدول المهتمة بها: الأول بتقوية الحكومة وبإرسال قوات عسكرية، وتصحيح بعض القضايا الداخلية وانتظار باكستان لتغيير سياستها، والآخر التركيز بقوة على تصحيح العلاقة بين كابل وإسلام آباد.
يعتقد خليل زاد، إذا لم يحصل هذا، فإن المشكلة سوف تستمر لفترة طويلة وستكون مكلفة ومن الصعب إيجاد حل لها.
من جهته، لا يزال الرئيس غني يتخبط داخلياً. هو يواجه تحديات كثيرة يجب معالجتها، خصوصاً فيما يتعلق بالمؤسسات الأمنية وتوسيع قاعدة الحكومة، ومكافحة الفساد، لكن، كما يرى خليل زاد، أن المشكلة الأكبر هي وجود الإرهاب في ملاذات آمنة عبر الحدود، وقد ازداد التمرد بعد انسحاب قوات التحالف الدولي (من 140 ألفاً إلى 12 ألفاً). هذا أخل بالتوازن على الأرض لمصلحة المتمردين، مع العلم أن القوات الأفغانية، واجهت وبقوة، ولم يتحقق هدف المتمردين بإضعاف الجيش، لكن هذا لا يمنع من أن للمجموعات الإرهابية سيطرة أكبر على أراض أوسع، وهي تعتقد أن الوقت إلى جانبها.
هناك تفسير بأن المجموعات الإرهابية، تسعى للتأثير على القرار الأميركي المتعلق بإرسال قوات أميركية إلى أفغانستان. فهي تريد إظهار أن الوضع على الأرض صعب جداً، على أمل أن تقرر أميركا أنه لا يمكن إصلاح الأوضاع في أفغانستان، وبالتالي التخلي عنها. حول هذا يقول خليل زاد: هناك اختبار للإدارة الأميركية الجديدة، وقد تكون العمليات الاخيرة جزءاً من هذا الاختيار.
لكن ما هو موقف الأميركيين الآن؟ يقول: هناك مراجعة للموقف، القادة العسكريون الأميركيون في أفغانستان طالبوا بزيادة القوات بنحو 3 إلى 5 آلاف جندي، وطالبوا بمرونة أكثر في كيفية استعمال القوة. لكن هناك من يتساءل عما إذا كان هذا العدد كافٍ. وبسبب هذه الخلافات لم يُتخذ بعد أي قرار، وليس واضحاً ما إذا كان القرار قريباً.
يرى، أنه من الخطأ الافتراض أن هذا العدد (5 آلاف) سيوفر للجانب الأفغاني نصراً على طالبان. بل هناك حاجة إلى توجه أكثر شمولية على أن يكون التركيز حول الملاذات الآمنة. وهذا يتطلب مراجعة السياسة تجاه باكستان، وإيجاد استراتيجيات تدفع إلى تغيير باكستان حساباتها، وتحسين العلاقة بين البلدين واغلاق الملاذات.
من جهتها، تنفي باكستان وجود مجموعات أفغانية فوق أراضيها، لكن لباكستان مطالب مشروعة في أفغانستان، أهمها ألا تتحول إلى قاعدة لأنشطة هندية ضد باكستان. من هنا، حسب خليل زاد، فإن التحدي أمام حكومة أفغانستان والمجموعة الدولية هو كيفية حماية مصالح باكستان المشروعة، وفي الوقت نفسه إزالة الملاذات. قد يحتاج هذا إلى ضغوط من المجموعة الدولية على باكستان، إضافة إلى حوافز، بمعنى أنها إذا تعاونت تحصل على الكثير، وإذا رفضت ستواجه الكثير من الضغوط.
في هذا المجال، هناك ضرورة إلى دعم ليس فقط من الولايات المتحدة، بل من الدول الخليجية التي ترتبط بعلاقات جيدة مع باكستان لوضع حد لهذا النزاع، وربما أيضاً من الصين، وقد يكون هذا أصعب بسبب مصالحها في باكستان.
ما يقلق باكستان أن تصبح أفغانستان مسرحاً للهند تستغلها ضدها؛ لأن باكستان لا تريد مواجهة على جبهتين: مشكلة في الشرق، وأخرى في الغرب بأن تتحول أفغانستان إلى حليف للهند. لكن كما يقول خليل زاد: «إن السياسة الحالية لباكستان تدفع الحكومة الأفغانية باتجاه الهند، بمعنى أنه كلما سمحت باكستان بملاذات آمنة اندفعت أفغانستان أكثر نحو الهند. وكلما اندفعت، بررت باكستان احتواءها للملاذات، أو على الأقل اتهام أفغانستان أو بعض من حكومتها بأنه تحت السيطرة الهندية. هذه ديناميكية شرسة يجب كسرها، وحتى الآن عجزت الحكومة الأفغانية والأطراف المهتمة بأفغانستان عن ذلك».
من جهة أخرى، يبرز الدوران الإيراني والروسي وهما سلبيان؛ لأنهما مع اختلال التوازن لغير مصلحة الحكومة، بسبب الانسحاب السريع، وبسبب شراسة العمليات الإرهابية، أجرت إيران وروسيا اتصالات وقدمتا مساعدات لطالبان. وتبرير هذا، أنهما تريدان استغلال طالبان ضد «داعش». هناك وجود لـ«داعش» في أفغانستان، ثم هناك إشارات عن متطرفين من آسيا الوسطى بالقرب من الحدود الروسية، ينضمون إلى «داعش» بعد عودتهم من الشرق الأوسط. وهذا عقّد الأمور أكثر.. . . 
في هذه الأثناء، لا تزال المجموعات الإرهابية، تعتقد بأن الوقت إلى جانبها، ويسودها أمل في أن تقرر إدارة ترمب عدم إرسال قوات إضافية، أو حتى تسحب ما تبقى من قوات. عندها يكون النصر حليفها.
لكن ماذا إذا خسر الأميركيون أفغانستان؟ يقول خليل زاد، هذه ضربة استراتيجية، سيزداد الصراع في أفغانستان، وسيميل الميزان بشدة لصالح طالبان والمجموعات الأخرى. أطراف كثيرة ستتدخل، وستصبح الهند أكثر تورطاً وكذلك باكستان، وربما ينسحب هذا على إيران وروسيا والصين. وسيعود الوضع إلى ما كان عليه قبل عمليات سبتمبر 2001، وستصبح أفغانستان مجدداً ملاذاً للمتطرفين والإرهابيين.
إذا حصل هذا سيكون أمراً مؤسفاً؛ لأن أفغانستان قطعت شوطاً كبيراً. صار لديها جيش وقوات أمنية تتحمل أعداداً من الضحايا في مواجهة الإرهاب، كما صار هناك مؤسسات حكومية، والاقتصاد بدأ يتحرك. هذه نتائج جهود متضافرة من قبل العالم والأفغان. وحرام التضحية بكل هذا. لذلك؛ كي لا تتعرض الحرب على الإرهاب لانتكاسة قد لا تقوم منها، يبقى من الضروري دفع أفغانستان وباكستان إلى إيجاد مخرج للشكوك التي تحكم العلاقات بينهما. إن الحاجة إلى حل، تؤكده مجلة «جيلارا» النسائية التي تهافتت عليها كل المناطق التي تعاني من الإرهاب.