صفاء عزب 

من بين ضواحي القاهرة الشعبية، تحتل ضاحية شبرا (شمال العاصمة) مكانة خاصة، فهي من جهة تعد مثالاً حياً على ترابط النسيج المصري بمسيحييه ومسلميه، إذ تتجاور مساكنهم ومحال تجارتهم كالمنمنمات الفنية، وهو ما عبر عنه المطرب محرم فؤاد في أغنية من ألحانه وكلمات جاره الشبراوي صلاح فايز «بحبك يا شبرا بحبك صحيح يا جامعة محمد وعبدالمسيح». ومن جهة أخرى، ينتمي كثر من المشاهير عبر عصور مختلفة إلى تلك الضاحية.

في ضاحية شبرا العريقة ولدت الفنانة داليدا عام 1933 وعاشت ضمن جاليات عدة من الأجانب استوطنت تلك الضاحية في النصف الأول من القرن العشرين، وعرفت منطقة تجمعهم في شبرا باسم «كوزموبوليتاني»، بعدما ازدادت موجات النزوح من أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى، خصوصاً من الجاليات اليونانية والإيطالية والفرنسية، وهو ما تبعه انتشار مدارس أجنبية خاصة بأبناء هذه الجاليات وانتشرت معه نشاطات تجارية وفنية لم تكن مألوفة لدى المصريين آنذاك مثل الملاهي الليلية.

وإلى حركات النزوح تلك، ترجع الطرز المعمارية الخاصة للمباني الشبراوية، علماً أن الحي يمتاز بطابع معماري مختلف يبدو أقرب إلى الطُرز الأوروبية الكلاسيكية، بما في ذلك المدارس القديمة والمستشفيات العتيقة التي تعد من العلامات المميزة للضاحية، كمدارس الليسيه الفرنسية والتوفيقية الثانوية، وجامع الخازندار الذي كان شاهداً على أحداث سياسية كبرى. كما تعد أبراج أغا خان وممر الراعي الصالح ودوران ونفق شبرا من أهم معالم الحي العتيق، إضافة إلى كلية هندسة شبرا التابعة لجامعة بنها.

وتنتمي الفنانة سعاد حسني إلى الضاحية ذاتها، والفنانون: ماري منيب، عقيلة راتب، علي الكسار، نجيب الريحاني، بديع خيري، سيد درويش، محمود المليجي، توفيق الدقن، عدلي كاسب، سراج منير، يوسف شعبان، حسن مصطفى الذي كان مفتشاً للمسرح المدرسي بمديرية التعليم في شمال القاهرة، إضافة إلى الملحن بليغ حمدي والمطربين ماهر العطار ومحمد قنديل، والمطربة فايزة أحمد. وشب بعض الفنانين بالقرب من سينمات الضاحية، فسكنت الفنانة مديحة يسري بجوار سينما «دوللي»، والفنانة نبيلة عبيد بجوار سينما «شبرا بالاس»، وكذلك الفنان حسن فايق. وعلى مسافة أمتار من «سينما الأمير» (مول الأمير حالياً)، كان يقيم الفنان حسين رياض.

أما الفنان إبراهيم سعفان، فكان مدرساً في مدرسة شبرا الثانوية للبنات، وقرب بنايته ترعرعت المطربة المصرية المعاصرة شيرين عبدالوهاب. وفي مكان قريب كان يعيش الفنان النمسوي الأب والإيطالي الأم استيفان روستي عندما جاء إلى مصر مع والدته. كما نشأ في ضاحية المشاهير الشاعر إبراهيم ناجي صاحب «الأطلال»، وهناك عاش أيضا المفكر جمال حمدان والشاعر صلاح جاهين، كما خرج من شبرا بابا الأقباط الأرثوذكس الراحل البابا شنودة.

ومن المعاصرين، ينتمي إلى الضاحية المطربون مدحت صالح وهشام عباس وسيمون والمطربة الشابة شذى، والممثلون محمد نجاتي، حنان شوقي، عزت أبو عوف، ماجد الكدواني. إضافة الى رياضيين منهم طاهر أبو زيد، وزير الرياضة السابق، ومصطفى عبده.

واللافت أن ضاحية شبرا المأخوذة من الاسم القبطي «شبرو»، أي العزبة القديمة، لم يكن لها وجود على الخريطة المصرية، إذ كانت مغمورة بمياه النيل حتى ظهرت كجزيرة وسط النهار قبل التحامها بالأرض، ليختارها محمد علي باشا مطلع القرن التاسع عشر ضاحية لبناء قصره وبساتينه الممتدة على مرمى البصر، وهو القصر الذي أعيد ترميمه في عهد الرئيس حسني مبارك ليصبح أحد المعالم السياحية الرئيسة في شبرا والقاهرة.

وتتسم شبرا بالكثافة السكانية العالية، إذ يعيش فيها حوالى 85 ألف نسمة على مساحة 1.9 كلم مربع من المساحة الإجمالية البالغة 2.8 كلم مربع. وتزخر المنطقة بالعديد من الآثار الإسلامية والقبطية أشهرها جامع الخازندار ومعهد تعليم القراءات الملحق به وكنيستا مار مرقس وسانت تيريزا.