حسن مدن

للعلاقات بين روسيا والبلدان العربية تاريخ طويل، متعدد المحطات والتعرجات والملابسات، سواء كان ذلك في العهد القيصري أو السوفييتي، أو في العهد الراهن. لم تكن روسيا القيصرية أقل اهتماماً من الإمبراطوريات الغربية بالعالم العربي والشرق عامة؛ بل إن تعبير التطلع إلى المياه الدافئة الذي يرد عندما يدور الحديث عن تطلعات روسيا نحو الشرق، إنما يعود إلى عهد القياصرة، الذين أرسلوا بوارج الاستكشاف إلى المحيطات حول المنطقة، أو إلى البحار التي تحاذيها للبحث عن فرص مدّ النفوذ.
لم يُقيض للقياصرة أن يتغلّبوا على الضواري الاستعمارية التي سبقتهم إلى المنطقة وبسطت نفوذها عليها، وهو النفوذ الذي تكرس بهزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، حيث تقاسمت تلك الضواري ما عدّته «غنائم» لها، على النحو الذي تجسّد في اتفاقية «سايكس ـ بيكو».
بنهاية تلك الحرب مرت روسيا بتطورات حاسمة، أدت في النهاية إلى نجاح البلاشفة في الظفر بالسلطة عام 1917، وكانوا هم أول من كشف بنود «سايكس ـ بيكو»، التي كانت حينها سرية، بعد أن عثروا عليها ضمن وثائق الحكم القيصري المنهار، الذي كان متواطئاً مع الإنجليز والفرنسيين.
في الظرف الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، تكرّس الاتحاد السوفييتي كندٍ للغرب عامة، والولايات المتحدة خاصة، ومن نتائج تلك الحرب، النهوض العارم لحركة التحرر الوطني والقومي في المستعمرات السابقة، ونشوء الدول المستقلة، وفي وقت لاحق بروز حركة الحياد الإيجابي التي كانت أقرب للسوفييت. ومن أبرز تجليات ذلك، تلك العلاقة التي جمعتهم مع مصر عبد الناصر، حيث صفقة السلاح التشيكية الشهيرة، والمساعدة في بناء السدّ العالي بعد محاصرة مصر من الغرب.
ولأن دوام الحال من المحال، سرعان ما هبّت عواصف قوية قوضت الدولة السوفيتية العظمى، وقسّمتها إلى مجموعة جمهوريات، وبات من المستحيل المطابقة بين السياسة السوفيتية تجاه المنطقة، والسياسة الروسية التي تلتها، خاصة في سنوات حكم بوريس يلتسين، الذي حوّل روسيا إلى دولة مُهانة.
الكثير من الخلل تم تصحيحه مع مجيء رجل الكريملين القوي، فلاديمير بوتين، الذي حاول أن يعيد الاعتبار لدور روسيا في المنطقة، لكن بدون البعد الأيديولوجي الذي كان للسياسة الخارجية السوفيتية، معتمداً نهجاً براجماتياً يظهر به الحرص على كسب ودّ الدول العربية، دون معاداة «إسرائيل» التي كان السوفييت قطعوا العلاقات الدبلوماسية معها، بعد عدوان 1967، ويراعي حساباتها.
يُظهر بوتين المزاوجة بين الدبلوماسية النشطة، والتلويح باستخدام القوة، أو استخدامها فعلاً، كما حدث في سوريا حين رأى أن الغرب بتحالفاته المحلية والإقليمية، لا يقيم الاعتبار لنفوذ روسيا، أو يمس ما تعدّه خطوطاً حمراً تجب مراعاتها.