إعداد: أسمهان الغامدي

 

يستعد المذهب الشيعي العربي إلى خلق حراك جاد بهدف إيجاد مرجعية شيعية عربية له بديلة عن المرجعية الشيعية الفارسية، إذ أن فكرة إنشاء مرجعية شيعية عربية أصبحت مطلبا لكثير من الشيعة العرب في العراق ولبنان والبحرين والسعودية والكويت والإمارات وقطر واليمن وسلطنة عمان والأحواز العربية المحتلة ومن مختلف بلدان العالم.

خاصة بعد افتضاح دور النظام الإيراني المشبوه في بلدان المنطقة وخصوصا العراق ولبنان واليمن وسورية، وردود الفعل الشعبية الغاضبة في العراق ولبنان من جانب الشيعة أنفسهم، التي تدفع وتحث على الإسراع في الخطى والاستفادة من هذه الظروف المناسبة لتوسيع النشاط الشيعي العربي وتعميم أفكارهم وأطروحاتهم المعادية للأطماع الفارسية في البلدان العربية.

وبحسب السيد محمد علي الحسيني الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان فإن فكرة إنشاء مرجعية شيعية عربية لاقت ترحيباً منحهم المزيد من العزم والإيمان والثقة بأنفسهم ورسالتهم والتي قطعوا أشواطا كبيرة من أجل إيصالها للعالم.

وأكد السيد الحسيني في حديث له مع «الرياض» أن إيجاد مرجعية عربية شيعية أصبح ضروريا وحاجة ملحة لمواجهة المرجعيات الفارسية الدخيلة، فالشيعة العرب لا يريدون مرجعية انتقائية أو إقصائية بوجه التيارات والمرجعيات الفكرية والسياسية العربية، كما أنهم لا يريدون أن يصبحوا أولياء أمور شعوب وقوميات فارسية (غير عربية) ولا يسعون لفرض وصاية ما عليها.

المذهب عربي المنشأ والمتحكم فيه فرس بأطماع سياسية واقتصادية

رفض الوصاية الفارسية

وقال الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان «من صميم حقنا الطبيعي والواقعي أن نعمل من أجل رفض الوصاية الفارسية وولاية الآخرين -فقهيه وغيرها- على الأمة العربية بشكل عام وعلى الشيعة العرب بشكل خاص، خصوصا عندما نرى ثمة سعي مشبوه من أجل تمرير أجندة ومشاريع سياسية وأمنية إقليمية ودولية على حساب العرب.

وتابع «الأمر الذي أصبح حاجة ملحة في التركيز على مسألة المرجعية العربية والتأكيد عليها بصورة مستمرة حتى جعلها أمرا واقعا وبديهية ليس بالإمكان رفضها مطلقا».

وعن الاختلاف بين المرجعية الفارسية والمرجعية العربية أبان الحسيني «المرجعية الفارسية تؤسس لبرامج وأطروحات فكرية وسياسية، وإننا نؤكد على أننا نجمع بين التنظير والممارسة الميدانية، أي أننا نطرح نظريات وآراء ومشروعات فكرية وسياسية ومن ثم نعمل على تفعيلها وتطبيقها على أرض الواقع، وهو أمر جسدناه في مشروعية المقاومة الإسلامية العربية عندما أعلنا بعد فترة وجيزة من ذلك انطلاق المقاومة الإسلامية العربية، كما جسدنا ذلك أيضا في موضوع المرجعية السياسية للشيعة العرب وترجمناه بشكل جلي على أرض الواقع.

وفاة فضل الله

وأضاف «وفي ظل المستجدات والأوضاع السياسية والفكرية والأمنية المتباينة وتداخل الأجندة وتضاربها مع بعضها البعض، وفي ظل ما يلوح في الآفاق من ظلال داكنة قد تمهد لتغييرات استثنائية في المنطقة، فإننا نؤكد اليوم وأكثر من أي وقت مضى على أهمية وضرورة ترسيخ تواجد المرجعية الدينية العربية على طول وعرض الساحة العربية، ولاسيما وأنه وبعد الرحيل المفجع وغير المنتظر للمرجع الكبير السيد محمد حسين فضل الله، رأينا أن تيار ولاية الفقيه قد تنفس الصعداء، وظن بأن المرجعية الدينية العربية قد انتهت وانتفت بوفاة ذلك المرجع».

واستطرد السيد الحسيني «سنبقى مشروعاً عربيا -دينيا وسياسيا- إستراتيجيا فعالا يسد الثغرات ويحصن الأفكار والعقول بزاد المعرفة والعلم ويمنحها المناعة اللازمة للوقوف والتصدي بوجه المشروعات المضادة، لا سيما تلك التي تهدف إلى جعل العرب جسرا أو معبرا لها»، مؤكدا أن للشيعة العرب مرجعياتهم السياسية والدينية السائرة في الخط نفسه للسيد الراحل الكبير.

وأضاف «الأرض العربية هي من أنجبت المذهب الشيعي قبل مدينة قم في إيران بقرون؛ فالمرجعيات هي أرض معطاءة بالعلم والتقوى، بحيث لن يكون هناك فراغ بإذن الله».

استغلال إيران لشيعة العرب

وحول استغلال إيران للشيعة العرب من خلال المرجعية الفارسية أبان السيد الحسيني بأن نقطة الضعف والخلل الأساسية ليست فيما يدعى من تجاهل لشيعة العرب أو ظلمهم، وإنما تكمن في ارتباط أغلبية الشيعة العرب بمرجعيات فارسية أو ذات أصول فارسية، وإن هذه المرجعيات قد جعلت من هؤلاء حلقة حيوية في خدمة المشروع الإيراني في المنطقة والذي نراه قد وصل إلى مراحل متقدمة بعد أن سيطر على أربعة عواصم عربية.

وأضاف الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان من السذاجة التصور بأن المرجعية الفارسية تفكر بسياق يهدف لخدمة الطائفة أو الدين، بل إنها وعلى مر التأريخ كانت توظف العامل الطائفي أو الديني من أجل خدمة العامل القومي العنصري كما نراه الآن بأفضل صورة.

وأكد بأن نظام ولاية الفقيه، كان ولايزال معادياً لظهور أي مرجعية دينية لشيعة العرب خارج نطاق خيمتها الفكرية - العقائدية وبعيداً عن مشروعها الخاص للهيمنة على المنطقة، وقد أوضحنا على الدوام خطورة السير خلف شعارات ومزاعم هذا النظام، وقد رأينا أن العقبة الكأداء المستعصية تكمن في عدم وجود مرجعية دينية عربية الانتماء والتوجه.

ارتباط شيعة العرب

وبعد هذا التسلسل للمخطط الفارسي ومحاولة عرقلة إيران لإيجاد مرجعية شيعية عربية يرى الحسيني أن تقوية مركز ومكانة المرجعية العربية لشيعة العرب، أصبحت واجبة إذ أنها ستكون البديل الأقوى والأكثر حظا في مواجهة المرجعيات الأخرى التابعة لإيران، وهو أمر حيوي ومصيري.

مؤكدا بأن إيران تسعى في تنشيط حملة تفريس ولاء الشيعة العرب وجعلهم طابورا خامسا في بلدانهم ضد أنظمة الحكم الوطنية، بل ضد شعوبهم، كما أن ظهور بوادر سخط الشيعة العرب وغضبهم من الدور الإيراني والذي نشهد اتساع دائرته، يحتاج بالضرورة إلى إرشاد وهداية من جانب مرجعية عربية حريصة عليهم وعلى الحد من تأثير المرجعيات الشيعية الخاضعة لتوجيهات نظام ولاية الفقيه، وأنه من الواجب دعم هكذا مرجعية عربياً؛ لأنه يعمل ويهدف بالأساس من أجل حماية الأمن القومي والاجتماعي العربي كي تؤدي الدور المطلوب منها والذي نجد أن هناك قدرا واسعا من الاستجابة له داخل أوساط شيعة العرب.

الدعم المادي والمعنوي

وعن سبل دعم ومساعدة المرجعية الدينية الشيعية العربية مادياً ومعنوياً، قال الحسيني في حديثه مع «الرياض» إن الدعم المادي يتجسد كبداية من خلال المساعدة في بناء مسجد ومؤسسة إسلامية وجبل عامل واستقطاب علماء الدين الشيعة العرب وتوجيههم ومساعدتهم في عقد الندوات، وكذلك إقامة المؤتمرات المختلفة بشأن أهمية استقلالية الشيعة العرب عن إيران وما إليه من إحياء للشعائر الدينية بالنمط والنسق الذي يبعد تلك الشعائر عن التأثيرات والشوائب الفارسية المشبوهة.

وتابع «كما من المهم كبداية أيضا إيجاد مؤسسة خيرية لمساعدة الفقراء والمحتاجين كي يتم من خلالها خلق قاعدة جماهيرية للمرجعية وتعزيز دورها وتواجدها الاجتماعي، وأما معنوياً فهو يقوم على توجيه الشيعة العرب وخصوصا في بلدان الخليج بالارتباط بالمرجعية الدينية للشيعة العرب والارتباط بها ودفع الحقوق الشرعية لها، وإن هذا الأمر يحقق هدفين في آن واحد؛ فهو يجعل هذا الدعم منصباً على العرب من جهة، وينهي في نفس الوقت الاستغلال الفارسي لها من جهة أخرى».

وقال الحسيني أن هناك مشروعا إيرانيا قائما يهدف لإعادة صياغة معادلات توازن القوى ومناطق النفوذ بين الأقطاب الدولية المتنفذة، سيكون لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على منطقتنا، وسيتجلى ذلك التأثير بالسعي لإحداث نوع من التغيير أو شيء يشبه ذلك أو يقرب منه؛ كخلخلة الأوضاع الأمنية أو السياسية والاقتصادية، بقصد إضعاف أطراف وتقوية أخرى، من أجل أهداف محددة سلفا، ومن هنا فإننا شهدنا ونشهد الحركة الدؤوبة لأطراف إقليمية مثل إيران وتركيا.

وأضاف أن أطرافاً دولية نافذة عملت على خلق مناطق نفوذ جديدة في دول المنطقة عبر التداخل الاقتصادي وتوظيف رؤوس الأموال والعلاقات السياسية والعسكرية المتقدمة نسبياً، مشيراً إلى محاولة الأقطاب الجدد توظيف مشكلة الأقليات العرقية والدينية والطائفية من أجل خدمة الأهداف المرسومة، وقد كان توظيف الشيعة العرب من قبل إيران بشكل سياسي عقائدي ضمن برنامج محدد الأبعاد والنتائج والأهداف المسمومة ضد العرب.