خالد بن حمد المالك

نفر من الناس في السعودية وقطر وغيرهما، لم يستوعبوا بعد خطورة الموقف القطري في تعريض دولنا للخطر، لم يفهموا ما الذي يعنيه ارتماء قطر في أحضان الدولة الفارسية، ولا استضافتها للإخوان المسلمين، ولا التنسيق معهم على أهداف تسيء إلينا، وليسوا على علم ومعرفة بما يمثله الموقف القطري بمد يد التعاون مع حزب الله والحوثيين والنصرة وداعش وغيرها من أحزاب الإرهاب المتآمرة على خليجنا وشعوبنا.
* *
هؤلاء المتعاطفون مع دولة قطر يرون حق الدوحة باختيار السياسة التي تريدها، والتوجه الذي يلبي قناعاتها، وأن ليس من حقنا التدخل في شؤونها، أو ممارسة الضغط عليها لتعديل مسارات سياساتها، فهي دولة مستقلة، وذات سيادة، ولها كما لبقية الدول قرارها المستقل، ورؤيتها المتفردة، وأنها أدرى بمصلحتها بأكثر مما تراه الدول الشقيقة، وهذا حقها نعم، ولكن هؤلاء المتعاطفين مع الموقف القطري، لا ينظرون إلى الجزء الثاني من علاقات قطر مع إيران المدمرة لشقيقاتها دول الجوار، ومثل ذلك فهم يتجاهلون تأثير استيطان الإرهاب في قطر وخطورته على دول مجلس التعاون، كما أنهم لا يتذكرون شيئاً مما تكون الدوحة التزمت به من قبل لأشقائها ولا تنفذه، في ظل خطورة السياسة القطرية على أمنهم.
* *
هؤلاء إذا أحسنا الظن بهم، واعتبرنا وجهات نظرهم تنطلق من الخوف على الوحدة الخليجية، فلابد من إفهامهم بالمؤامرات ضد دولنا التي تنطلق من الدوحة، بعضها معلن، وبعضها الآخر يلفه الغموض، أو تم وضعه في طي الكتمان لدى الدول الشقيقة المتعثرة لسنوات مضت على أمل أن ترعوي الدوحة وتنأى بنفسها ويعود مسؤولوها إلى رشدهم عن هكذا تخطيط لمؤامرات خبيثة يوثقها بصوته وصورته أعلى سلطة نافذة في البلاد، ثم تتم دمدمتها والتستر عليها، فإذا بها تتكرر، دون احترام أو تقدير للعفو والتسامح الذي يصاحبه الاعتذار والوعود والاتفاقيات القطرية التي لا تنفذ.
* *
وهؤلاء الذين يتعاطفون مع دولة قطر ليسوا أقرب لها منا، ولا أكثر حباً لشعبها منا، وليسوا من يخافون عليها بمقدار خوفنا عليها.. والدوحة في وجداننا أكثر منهم، حمايتها والدفاع عنها هي هواجسنا لا هواجسهم، هم بمواقفهم لا يحبون قطر ولا يغارون عليها، ولا تمثل لهم شيئاً أكثر من أنها دولة صغيرة يجب استغلالها لتفكيك وحدة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وإيجاد خلافات بين دول المجلس، تعرض هذه الوحدة للخطر، وتفتح ثغرات للتدخل الأجنبي، وفتح المجال للصراعات والحروب، وصولاً لما قد يسمى لاحقاً بالربيع العربي (2) في منطقتنا، أو الربيع الخليجي (1) في خليجنا.
* *
هؤلاء الذين يعبرون عن آراء ومواقف منساقة مع إيران وحزب الله ومع الإخوان المسلمين وجبهة النصرة وداعش والحوثيين، لو فكروا قليلاً، وتأملوا مواقف قطر وسياساتها، وصبر المملكة الذي طال على تكرار مؤامراتهم، وهذه البيئة التي تفرخ الإرهابيين من الدوحة، وأن أهدافها تتركز على دول الخليج، لو فكر هؤلاء بذلك، وتأملوه جيداً، وأخضعوه مع ما سبقه إلى التفسير والتحليل العقلاني، لأدركوا أن موقف المملكة والإمارات والبحرين ومصر من قطر، والتصعيد الذي تم الإعلان عنه بقطع هذه الدول الشقيقة علاقاتها مع مصر سببه ومصدره هي الدوحة بالدليل والبرهان القاطع الذي أزعم أن هؤلاء لا يغيب عليهم ما لم يكونوا من طابور إيران والإخوان المسلمين وبقية المنظمات الإرهابية.
* *
نعم، لا أحد من دولنا يريد أن يكون خصماً أو على خلاف مع الدوحة، أو يتمنى أن تصل الأمور الخلافية إلى حد قطع العلاقات مع قطر، ولو كان الأمر غير ذلك لما تحملوا أذيتها ومؤامراتها وإرهابها على مدى سنوات خلت، ولو كان الأمر غير ذلك أيضاً لأخذت الدول الخليجية المتضررة موقفاً قوياً ومؤثراً يقطع على قطر خط الرجعة لعودة علاقاتها بدول المجلس منذ وقت مبكر، غير أن الأشقاء ظلوا ينظرون إلى قطر كونها الشقيقة الصغرى وكلهم أمل أن تعود إلى الصف الخليجي، وأنها قد تكتشف مسارها السياسي الخاطئ لاحقاً، وهو مع شديد الأسف ما لم يحدث من قطر إلى اليوم، مما استدعى بالمملكة والإمارات والبحرين ومصر إلى قطع علاقاتها مع قطر.
* *
أريد من هؤلاء الذين يقفون في جبهة إيران والإخوان المسلمين وحزب الله والحوثيين وداعش والنصرة وحماس، ما الذي يمكن للمملكة والإمارات والبحرين أن تفعله أمام التصعيد القطري لإثارة هذا الخلاف بالتصريح الأميري الذي لم يترك نافذة أو باباً للحوار؟.. وما الذي يمكن أن تقوم به هذه الدول، وهي المستهدفة في مؤامرات يتم طبخها بين إيران والإخوان المسلمين ومن ثم انطلاقتها وتصديرها من الدوحة للانقلاب على الأنظمة في دول المجلس؟.. أليس من الغباء أن يستمر الصمت الذي لا معنى له ولا فائدة فيه أمام استمرار المؤامرات الخطيرة التي يتبناها الثلاثي إيران وقطر والإخوان المسلمين.
* *
وماذا بقي لقطر لم تفعله بعد ضد دول المجلس، وهي التي تآمرت على أشقائها، وسمحت بتصدير الإرهاب لدولهم، وشاركت إعلامياً ومالياً وبالسلاح والملاذ الآمن في تنفيذ كل ما يقوّض الأمن والاستقرار في دول الجوار الأشقاء لقطر في مجلس التعاون، دون مبرر أو سبب معقول، بينما هي -أعني قطر- في أمان من أيّ تصرف مضاد ضد مصالحها، مع علمها بأن موازين القوى والإمكانات ليس في صالحها إذا ما أخذت المملكة أو حتى دولة الإمارات ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية موقفاً لنزع فتيل الإرهاب والمؤامرات التي تستوطن قطر وتصدر منها إلى حيث أهدافها في دول الجوار ومصر.
* *
اصطفاف هؤلاء إذن ضد موقف المملكة والإمارات والبحرين ومصر في موقفهم الحازم ضد السلوك الإيراني، لا يصب في مصلحة قطر، ولا يقتل إرهاب قطر، ولا يأخذ الشقيقة الصغرى إلى حيث يكون مكانها الذي تستحقه، وإنما يدفع بها إلى مؤامرة كبرى لا تطفئ لهيب الأصوات المؤيدة لبرنامجها السياسي الذي حدده أمير البلاد في تصريحه الذي يزعم أنه لم يقله، وأنه انتشر بفعل فاعل اخترق وكالة الأنباء القطرية، وتم توزيعه بمعرفتها على نطاق واسع.
* *
الاتهامات المتجنية يا هؤلاء التي تستخدمونها في الاعتراض على كل موقف خليجي ناصح أو إجراء كقطع العلاقات للمحافظة على أمن دولنا من إرهاب الدوحة، والتشكيك بأي رأي يحمل نفساً خليجياً مخلصاً، هي المؤامرة بعينها التي تشاركون فيها الدولة الفارسية الصفوية في دفع قطر لارتكاب حماقات لا تقدرون حجم تأثيرها على مستقبل شقيقاتها، ولا تدركون كم تخدمون ملالي إيران في هذا التعاطي غير المسؤول مع من ظل على مدى سنوات يحاول أن يكون ناصحاً أميناً لشيخ قطر تميم آل ثاني دون استجابة، حيث ينال تطاولكم علينا بما يعف عن قوله اللسان وتنأى به وعنه الأقلام الحرة الشريفة.
* *
فنحن نتحدث بالأرقام والحقائق والمستندات، وبيننا وبين قطر وبينكم التاريخ الذي لا يكذب، وهم يتحدثون عن ولاءات لإيران، وتوافق في وجهات النظر، والسياسات معها، ولا تعنيهم دولنا ومستقبلها في ظل ما تواجهه من تحديات، ونحن نضع أيدينا على الجرح، وندعو إلى شفائه، وهم يصبون الزيت على النار، ويرقصون على أشلاء الأبرياء، تأييداً للتطرف والإرهاب ونشر الفوضى في خليجنا الحبيب، بما لا يمكن لعاقل أن يفهمه، أو يفسره، أكثر من أنه سلوك يتناغم مع الفكر الإرهابي الإخواني الداعشي الذي يعتمد على إيران وقطر ما استدعى إلى أخذ القرار الصعب بقطع العلاقات مع قطر.