سالم حميد 

تواصل قطر المقامرة بمصلحة شعبها بعناد وتكبر سيعود عليها بضرر أكبر خلال الأيام القادمة، لأن من يقودها لا يهتم بانهيار الريال القطري ولا بخسائر البورصة القطرية التي تجاوزت المليارات خلال أقل من أسبوع، كما لا يعتبر بدروس التاريخ ولا يهتم إلا بتمرير أجندته الشخصية على حساب أمن الخليج والمنطقة. وفي النهاية لن يفيد الدوحة الاستنجاد بتركيا لخلط الأوراق، بل إن أي استدعاء قطري لقوات تركية إلى منطقة الخليج أمر لن يمر بسهولة، وستكون له عواقب أشد على قطر التي يبدو أنها تريد أن يكون درس تأديبها أشد إيلاماً حتى تتعقل وتعيد حساباتها وتحالفاتها.

ونذكر من يهيمن على القرار في قطر ببعض الوقائع لعله يستفيد منها ويتراجع عن حماقاته. فقبل اندلاع حرب تحرير الكويت عام 1991 عمل كبار قادة الجيش العراقي على تحذير الرئيس العراقي حينها صدام حسين، وقاموا بتنبيهه إلى أن الجيش العراقي سيتعرض لهزيمة نكراء أمام قوات التحالف الدولي، لكن صدام قام قبل اندلاع الحرب بعزل أولئك القادة من أصحاب الخبرة والدراية العسكرية، رغم أنهم من خريجي المعاهد والكليات العسكرية، ولهم خبرة طويلة في ميادين المعارك، وكانت نصائحهم من واقع خبراتهم، على العكس من صدام حسين الذي منح نفسه كافة الرتب والنياشين العسكرية رغم أنه لا يعرف شيئاً عن العسكرية سوى أداء التحية. وبقية تفاصيل ما حدث معروفة، بدليل أن تداعيات انهيار العراق تشهد اليوم على الغباء الممتزج بالعناد الذي ظل صدام ينتهجه إلى أن دمر العراق، وأدخل العراقيين في دوامة الغزو الخارجي، وانبعاث الطائفية والجماعات المسلحة من كل الأشكال والألوان.

وبالنسبة لورطة قطر الراهنة فإنها تقع على عاتق حاكمها السابق حمد بن خليفة، الذي لا يزال عملياً الحاكم الفعلي لقطر حتى الآن. والوجه الحقيقي للكارثة التي حلت على الشعب القطري المغلوب على أمره يتمثل في أن من يحكمهم من وراء ستار، لديه شخصية شبيهة بشخصية صدام، وربما القذافي أيضاً. ومن خلال تتبع تاريخ حمد بن خليفه نجد أن له شخصية تمتاز بالحقد والانتقام والاستغلال، لدرجة أنه لم يحترم شيخوخة والده، وقام بعزله ليصبح لاجئاً في بلدان عدة قبل وفاته. كما أن شخصية حمد المتكبرة تكونت بسبب تهافته أمام الثروة، لذلك أصبح المال لعنة على قطر وحاكمها الذي يضع ولده في الواجهة بينما لا يزال منهجه في التخريب يقود السياسة القطرية المداهنة للتطرف، وتحول رأس الحكم في الدوحة إلى أداة تضمر الشر للوطن العربي بأكمله، وتزرع الإرهاب وتروج له إعلامياً.

يجب أن يبقى الجسد الخليجي متعافياً وخالياً ممن يخطط للعبث بأمن شعوب الخليج. ونتيجة لمجمل الممارسات التي قامت بها قطر على مر السنوات الماضية، لم تدع لجيرانها أي فرصة لتأجيل الحساب أو التغاضي عن الأخطار المحتملة في المستقبل. لذلك لا مجال أمام الدول القيادية في الخليج سوى أن تواصل ما بدأته من ضغوط للتعجيل بالحل للخروج من هذه الأزمة. وفي مقدمة الخطوات المطلوبة لاستعادة قطر إلى حضن أشقائها في الخليج، ضرورة وضع حد لعناد الحاكم الحالي، لأن مَن يقود قطر الآن ينتهج سلوكاً عدوانياً ربما يؤدي إلى التفكير بخيارات أشد قسوة ضد الدوحة، وبخاصة إذا ما صممت على استقدام قوة عسكرية خارجية غير مرحب بها من قبل دول الإقليم.

على قطر أن تستيقظ من صدمة المقاطعة الخليجية والعربية، وتعيد مراجعة فواتير دعمها المالي المباشر للجماعات الإرهابية بذريعة دفع الفدية، التي أصبحت مسرحية مكشوفة لشرعنة إرسال الأموال الطائلة لجماعات التكفير والتطرف، بما فيها «القاعدة» والمجموعات الشيعية الطائفية المسلحة في العراق.

على قطر أيضاً أن تراجع تاريخها القريب حين سخّرت وسائل إعلامها كمنصات لنشر فكر جماعة «الإخوان» الإرهابية، وتوفير فرص عمل لأعضائها وملاذات آمنة لقياداتها التي تتطاول على مصر.

--------------------