تسببت نتائج الانتخابات التشريعية في بريطانيا بزلزال سياسي، بعد أن خسرت رئيسة الوزراء تيريزا ماي رهانها بتعزيز غالبية حزبها في مجلس النواب.
وبينما تعالت أصوات المعارضة وداخل حزب المحافظين المطالبة برحيلها، اهتم مراقبون بدراسة أسباب هزيمة المحافظين ونجاح حزب العمال في حشد دعم غير متوقع. ويبدو أن أحد العوامل الرئيسية يكمن في سوء توظيف حملة المحافظين لوسائل التواصل الاجتماعي، واستهدافهم لفئة محدودة من الناخبين.
وفشلت حملة المحافظين في اجتذاب ناخبين جدد، فضلاً عن إخفاقها في تحفيز القاعدة التقليدية من ناخبي الحزب على المشاركة. وأظهر تحليل لوسائل التواصل الاجتماعي، وفق ما نقلت صحيفة «التلغراف»، أنه رغم استهداف الحملة الدعائية لزعيمة المحافظين الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد، فإنها استخدمت رسالة راقت على نحو أكبر للمؤيدين الحاليين بالفعل.
وعرضت الصحيفة بيانات صادرة عن وكالة «وي آر سوشال»، تفيد بأن حزب العمال زاد أعداد مؤيديه بنسبة 61 في المائة عبر مواقع «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» في غضون الأسابيع الستة التي أعقبت الدعوة لعقد الانتخابات. في المقابل، ارتفع عدد مؤيدي المحافظين بنسبة 6 في المائة فقط خلال الفترة ذاتها.
من جهته، قال أندريه فان لون، مدير شؤون الأبحاث لدى «وي آر سوشال: «لقد خسر المحافظون وتيريزا ماي فرصة حقيقية خلال الأسابيع الست الماضية. لقد عاينوا البيانات الواردة، ومع ذلك لم يحركوا ساكناً. كان باستطاعتهم بذل مزيد من الجهود في محاولة اجتذاب الناخبين الشباب من البداية». وأضاف لصحيفة «التلغراف» أن الرسالة المحورية لماي التي دارت حول الاستقرار لم تفلح على ما يبدو في اجتذاب الناخبين المترددين، بينما جاء أداء الرسائل الاجتماعية الصادرة عن حزب العمال أفضل. وشرح أنه: «على ما يبدو، لم تجتذب رسالة (القوة والاستقرار) أي داعمين جدد عبر وسائل التواصل الاجتماعي».
من جهة أخرى، كشف تحليل صادر عن «هو تارغتس مي؟» («من يستهدفني؟»)، وهو موقع إلكتروني يعنى بمتابعة الإعلانات السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن أعضاء حزب المحافظين عمدوا بوجه عام إلى توجيه نشاطاتهم عبر شبكة الإنترنت في معظمها نحو جماهير جديدة.
وتشير الأرقام إلى أن الإعلان الأخير لحزب العمال بعنوان «أخرج وصوت» جرى نشره بين 464 دائرة انتخابية، بينما جرى الترويج للإعلان المكافئ الخاص بالمحافظين بين 205 فقط، تبعاً للبيانات الخاصة بـ«هو تارغتس مي؟». وأوضح سام جيفرز، أحد مؤسسي الموقع، أن البيانات المتاحة تشير إلى المحافظين ركزوا أنظارهم على مقاعد هامشية.
من جانب آخر، رأت صحيفة «الصن» أن موقع «فيسبوك» تحول إلى مصدر رئيسي للأخبار أمام الكثيرين من مستخدمي الموقع من الشباب، واعتبرت أنه لعب دوراً محورياً في الانتخابات.
وعبر رسائله، نجح حزب العمال في رسم صورة إيجابية باستمرار لنفسه، وجرت مشاركة هذه الرسائل ملايين المرات. وكشف تحليل لـ«بزفيد نيوز» شمل لأكثر 250 مقالاً تداوله مستخدمو «فيسبوك» أن مصاريف الدراسة و«التحيز الإعلامي ضد كوربين» كانتا بين أكثر القضايا التي جرت مناقشتها عبر «فيسبوك».
ومن بين أكثر سبعة موضوعات جرى تداولها فيما يخص المحافظين، ستة منها حملت طابعاً نقدياً. كما تعرض المحافظون لانتقادات حادة لرغبتهم في إعادة تقنين صيد الثعالب، وجرى التشارك في الرسائل المتعلقة بهذا الأمر نحو 340.000 مرة، وفق ما نقلت «الصن».
وإن كان أحد عوامل فشل ماي يكمن في فشل حملتها في الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي، فإن تأثيره كان ملموسا في الصحافة الورقية التقليدية التي انقلبت على رئيسة الوزراء. وانتقدت الصحف البريطانية ماي بشكل واسع عقب ظهور النتائج، بما فيها الصحف اليمينية التي دعمتها بقوة خلال الحملة الانتخابية.
ولم يبد أن الصحف اقتنعت بتعهد ماي الاستمرار في خططها المتعلقة بالمحادثات من أجل خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي، معتبرة أن موقفها بات ضعيفا. واكتفت صحيفة «ذي صن» الأكثر مبيعا في بريطانيا، بكلمة «فوضى» لوصف المشهد السياسي على صفحتها الأولى. واعتبرت الصحيفة المؤيدة للمحافظين أن رئيسة الوزراء «غامرت (...) وخسرت».
وأضافت أن «بريطانيا على وشك معرفة كلفة هذا الفشل»، الذي ستستفيد منه بروكسل.
وأوضحت: «لا يمكن التصديق أنه بعد سبعة أسابيع، تم القضاء على الغالبية (التي امتلكها) المحافظون».
أما صحيفة «دايلي ميل» المؤيدة لماي، فعنونت بأن «بريطانيا على حد السكين»، مشيرة إلى أن مغامرتها عبر الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة بهدف تعزيز موقفها أتت بنتائج «عكسية بشكل كارثي».
أما «الإيفنينغ ستاندرد» اللندنية التي يرأس تحريرها جورج أوزبورن، وزير المالية الذي أقالته ماي عند تسلمها منصبها عام 2016، فكتبت على صفحتها الأولى «ملكة الإنكار» عن رئيسة الوزراء التي عادت إلى مقر «10 داونينغ ستريت» لتشكيل حكومة من دون التطرق إلى خسارتها. ولفتت الصحيفة إلى أن «رئيسة الوزراء تتجاهل الكارثة في الانتخابات، فيما تتعهد بتوفير الثقة»، معتبرة أن «لا وجود لسلطتها». وذكرت الصحيفة أن «لدينا الآن حكومة أقلية محافظة في الحكم، ولكن ليس في السلطة».
أما «التلغراف» المحافظة فتحدثت عن «صدمة بالنسبة لماي». فيما اعتبرت «ذي تايمز» أن «مغامرة ماي الكبيرة تفشل». وكتبت في افتتاحيتها أن «حملة فاشلة أذلت تيريزا ماي وجعلت حزبها مترنحا»، مضيفة أنه «من الصعب رؤية سلطتها لا تواجه تحدي زملائها في الحكومة لوقت طويل».
بدورها، رأت «ذي فاينانشال تايمز» أن ماي «تسعى إلى التشبث بالسلطة من خلال حزب في آيرلندا الشمالية»، في إشارة إلى الحزب الديمقراطي الوحدوي الذي تعتمد رئيسة الوزراء على دعمه. من جهتها، كتبت صحيفة «دايلي ميرور» المؤيدة لحزب العمال أن سلطة ماي «معلقة بخيط» بعد «كارثة سياسية هي الأكثر إثارة منذ أجيال».