عبدالله بشارة

قام الملك الحسن الثاني بزيارة واشنطن مرتين، الأولى في عهد الرئيس كنيدي في 26 مارس 1963، واستقبله كنيدي بالترحيب الخاص النابع من كون المغرب أول دولة تعترف بالولايات المتحدة عام 1778 في عهد جورج واشنطن، ووظف الملك هذه الواقعة التاريخية لترسيخ العلاقات، مشيرا إلى أن واشنطن قلعة الحرية والديموقراطية، ومعبرا عن رضاه عن الدبلوماسية الأميركية، لا سيما تجاه أفريقيا، ووقع خلال الزيارة على اتفاقيات تسمح للقوات البحرية والجوية الأميركية بحق عبور الموانئ والقواعد المغريبة، ويلاحظ المترجم نوفل أن الرئيس كنيدي أحاط الملك برعاية خاصة، حيث عقد معه ثلاثة اجتمعات وسار معه مشياً على الأقدام إلى دار الضيافة.
في المباحثات، يؤكد الملك الحسن على التباين بين العاطفية العربية والواقعية المغربية، ولا يتخوف من التأثير الناصري على زعماء الجزائر، ويتساءل كنيدي عن مسببات امتداد النفوذ الناصري في العراق وسوريا، ولكن الملك الحسن لا يعطي ذلك أهمية في تغيير مصير العراق أو سوريا.
كما شدد على أن عدم الانحياز لا يعني التخلي عن الالتزام بمبادئ معينة، وأحيانا تصوت المغرب مع قضايا تهم روسيا فلا يعني ذلك الميل نحو الشيوعية التي يرفضها شعب المغرب المعتز بشخصيته.
يتحدث الرئيس كنيدي، بصراحة واضحة، بأنه يعتزم القيام بمبادرات ودية تجاه مصر لمكانتها القيادية، ومقاومة احتكار الاتحاد السوفيتي صداقتها، والتعاون مع عبدالناصر على قيادة الدول العربية لإيجاد تسوية سلمية لقضية فلسطين، ولكن على عبدالناصر أن يجري تعديلات على سياسته الاشتراكية نحو الاعتدال، ويكون أكثر تجاوباً مع المصالح الأميركية، ولكن الرئيس ناصر متورط في اليمن وتأثير الانفصال السوري عليه، وحروبه مع البعث، ما سبب في رفضه الاستجابة للمبادرة الأميركية، واضطر الرئيس كنيدي إلى إبرام اتفاق عسكري مع إسرائيل، وفيما توترت العلاقات مع مصر، تحسنت مع إسرائيل.
في التاسع من فبراير 1967، قام الحسن الثاني بزيارة رسمية إلى واشنطن لمقابلة الرئيس جونسون، وهنا يتبدل الوضع تماماً، فكان هم الملك الحسن الثاني الوضع الأمني مع الجزائر متخوفا من الأسلحة المستوردة من موسكو، من ارتهان الاقتصاد الجزائري لها، فلدى الجزائر من الدبابات والقذائف والصواريخ وقاذفات القنابل والمدافع الطويلة المدى، وجيش من ستين ألف جندي، في بلد جبلي في معظمه لا يمكن إلا استعماله لأغراض غير دفاعية، ولهذا يطلب المغرب أن يحصل على ما يكفي من السلاح للصمود ثلاثة أيام يجتمع فيها مجلس الأمن الدولي ويقرر وقف العمليات العسكرية، والمغرب لا يحارب أبدا، ولكنه مستعد للدفاع عن نفسه حتى بالزجاجات الفارغة.
ويضيف الملك، في تلك المقابلة المتوترة، أنه كان في زيارة إلى موسكو وحذّره برجنيف من أي نزاع مع بلدان صديقة لموسكو كمصر والجزائر وغينيا ومالي وسوريا واليمن. وعليه، فإن المغرب مجبر على التوجه إلى البلدان الصديقة القادرة على إمداده بالمساعدة اللازمة لدرء ما يهدد من أخطار.
أجاب الرئيس جونسون بأن واشنطن قررت بيع أسلحة بمبلغ أربعة عشر مليون دولار، مع مراعاة قدرة الاقتصاد المغربي.
اعتبرت واشنطن الدعم العسكري للمغرب دعما رمزيا، لا يفي باحتياجات المغرب، ولكنه مؤشر على رفض واشنطن سباق تسلح في المنطقة.
الطريف أن جونسون أثار بيع المغرب ثمنمئة ألف طن من الفوسفات إلى كوبا ودعم اقتصادها، كان معترضاً على ذلك، فرد الملك بأنه مستعد لوقف ذلك إذا توافر البديل، مع إشارته إلى أن المغاربة لا يستلطفون كاسترو، لأن الجنود الكوبيين شاركوا القوات الجزائرية في مناوشات الحدود مع المغرب.
نلاحظ تبدلات الاحتمالات في شمال أفريقيا، فزيارة الملك الحسن إلى كنيدي كانت فيها توقعات الملك بالوحدة المغاربية عالية، فلم يتطرق إلى السلاح، وكانت أولوياته تجارية اقتصادية، بعد ثلاث سنوات يأتي الملك طالبا السلاح، محذرا من الترسانة الجزائرية، متخوفا من تبدلات موازين القوى، ومحذرا من اعتماد الجزائر على الاتحاد السوفيتي سلاحا واقتصادا.
لم تتطور تلك العلاقات، حيث الحدود ما زالت مغلقة منذ سنوات، وما زال التوتر يتسيد الموقف والحذر قائما والحساسيات شديدة.