سالم سالمين النعيمي

 لا شك أن المصالح المتشابكة بين إيران وتركيا، وأيضاً العلاقات بين إيران والتنظيم الدولي للإخوان معقدة لدرجة يصعب فيها التفريق بين السياسة والاقتصاد والبعد الديني، وخاصة بعد امتداد مخالب إيران في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وسيطرتها على بعض العواصم العربية المهمة التي كانت فاعلة في ميزان القوى في المنطقة، فكان لابد من وضع حد للتوسع الإيراني وتقليم أظافر النسر الإيراني، وهو ما عملت عليه الدول العربية القوية التي تقود العالم السُني وحلفاؤها كالجانب السعودي والإماراتي، وهما أهم الأطراف بجانب جمهورية مصر العربية، في الوقوف ضد تيار التمدد وضد الطموح الإيراني. وعلى المنوال نفسه التعامل بحذر مع الطموح التركي، ومحاولات أنقرة تثبيت أقدامها في منطقة الخليج العربي، من خلال قطر، وبالتالي عرقلة غريمتها إيران مع فرض نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي والثقافي على العالم السُني وسحب البساط من تحت أقدام منافسيها والنيل منهم استراتيجياً .

وبدورها ضحت قطر بالمصير العربي المشترك مقابل دور أكبر من حجمها، وضمان استمرار نظام حكم يفتقد للحكمة، ومتخصص في خلق أزمات متفرقة حوّلت دفة مسألة إدارة الأزمة إلى إدارة تبِعات الكارثة فقط مع نشر عدم اليقين في الصف العربي، وتفريق الصفوف ودعم أشخاص وأحزاب لا تخرج عن الخط المرسوم لتفكيك الوطن العربي، وليصبح الخليج ولاية ضمن دولة الخلافة الكبرى، وقيام قطر بمهام والي منطقة الخليج العربي. والمؤسف أن قطر استطاعت أن تزرع عناصر لها داخل التحالف الخليجي العربي، وهي عناصر محسوبة على وضمن تلك الحكومات، وتسعى لزعزعة الثقة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وإرسال رسائل مزدوجة تخدم دول المعسكر القطري.

وكل ذلك بنية فرض النفوذ على المنطقة، ودق طبول الحرب على غزة، والدور الخفي لباكستان، والعلاقة بينها وبين قطر عسكرياً، ولذلك تجد بكل ذكاء تصريحات بعض الدول الكبرى التي من المفترض أن تكون صديقة، منقسمة داخل البيت الواحد، وهي تصريحات ليست عبثية أو متضاربة بقدر ماهي تمارس سياسة العصى والجزرة لعدم الإخلال بمصالحها العليا.

فهل تهدف قطر إلى منع الوصول إلى أرضية مشتركة لمواجهة مد "دولة الخلافة" وانقسام العالم الإسلامي إلى خلافة سُنية وخلافة إمامية شيعية، والنكاية في النظام الإقليمي.

وبدخول إيران وتركيا في قلب الحدث، تريد قطر قلب الطاولة، وجعل النزاع مطولاً ليؤثر حتماً على النمو الاقتصادي، والحسابات المالية، وأسعار النفط والغاز، متناسية أن العزلة السياسية والضغط الاقتصادي، سيقود حتماً إلى الاستياء الداخلي وتهديد نظام الحكم.

ولن تقوم قطر بتقديم تنازلات تذكر، وستتدخل الدبلوماسية والوساطة الأميركية بجانب الاتحاد الأوروبي لإجراء حوار بين الأطراف لحل الأزمة وتخفيف وطأة حرب دبلوماسية مفتوحة، ومن جهة أخرى كانت أنقرة تخطط منذ فترة طويلة لبناء قاعدة عسكرية لها في قطر، وعلى الرغم من أن تركيا لها علاقات مثمرة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أن أهدافها الخاصة بالسياسة الخارجية ومصالحها الصناعية والتجارية لا تتوافق مع هذين البلدين، وأنقرة تشارك الدوحة في سياسة دعم الجماعات الإسلامية الإقليمية، دون أن نتجاهل رغبة أنقرة الصريحة في أن تكون عاصمة القوة السُنية السائدة في المنطقة.

وتؤمن قطر من جهتها في أنها في وضع يمكنها الخروج منه بخسائر مقبولة بفضل سياستها الخارجية المتنوعة وشراكاتها الاقتصادية وفي الوقت نفسه، ستواصل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تصعيد مطالبهما إلى جانب مصر والبحرين، وخاصة بعد أن رفضت قطر الاعتراف بقائمة مشتركة تضم 59 فرداً و 12 كياناً ترتبط بالدوحة وتأكد دورها في تمويلها، مما يشير إلى أن الدوحة تقوم بالاستعداد لقطيعة طويلة، ولكن كيف ستتجاوز اعتمادها الكبير على جيرانها في التجارة والسفر داخل وخارج المنطقة. وهي التي تستورد معظم أغذيتها من خلال حدودها البرية المغلقة حالياً مع السعودية، ناهيك أن العديد من السفن التي تنقل الطعام إلى الدوحة تتوقف أولاً في أبوظبي ودبي.

وتعول قطر على ضغوط أميركا على دول المنطقة، حتى لا تتهدد بشكل خطير العمليات العسكرية الأميركية في المنطقة، وخاصة أن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت مطلعة على الدور القطري في المنطقة، ولكن كان لديها اعتقاد راسخ بأن الإيجابيات تفوق السلبيات الواضحة، بما في ذلك دعمها غير الرسمي للأنشطة المتطرفة في المنطقة وقطر اليوم لم يعد الخلاف معها خلافاً سطحياً مع دولة شقيقة فقط وإنما خطر وتهديد مباشر للاستقرار والأمن الخليجيين، دون أن ننسى أن الشعب القطري الشقيق محاصر من قبل حكومته.