سمير عطا الله 

العام 1974 أطاح انقلاب عسكري يساري بقيادة الرائد منغستو مريم، إمبراطور الحبشة هيلا سيلاسي، الذي قامت حول طريقته في الحكم والحياة، الحكايات والأساطير. منها أن أقرب الموظفين إليه كان «حامل الوسائد» لأن الإمبراطور كان صغير القامة، ولكي لا تتدلى ساقاه عندما يجلس على الكرسي، يلحق به «حامل الوسائد» الذي يحتفظ بـ54 نوعاً وقياساً منها.
شنّ الضباط الجدد، كالعادة، حملة على البذخ في حياة الإمبراطور، ومنعوا جميع مظاهر «الترف»، كالسيارات وربطات العنق والثياب الأوروبية. في العام الرابع للثورة الاشتراكية المجيدة، انتقل منغستو للسكن في قصر هيلا سيلاسي الكبير، وجلس على كرسيه المذهب. وبدأت الصحف الرسمية تشبه منغستو بالإمبراطور سليمان، مؤسس السلالة في القرن التاسع عشر.
كتب وزيره «داويت وولدي غيور غيس» في مذكراته: «نحو 1978. بدأ كل شيء يتغير. أولا حدث تسامح مع مظاهر الجاه، ثم أصبحت مطلوبة. وأصبح لدينا الأفضل من كل شيء: أفضل البيوت، أفضل السيارات، أفضل الأطعمة. كل ما هو عكس أهداف الثورة. وظهر منغستو على حقيقته، ثأرياً وقمعياً. والرفيق الذي كنّا نخاطبه ببساطة، أصبح علينا أن نحادثه باحترام ووجل... ثم أخذ يستخدم سيارات الإمبراطور... ثم أصبح هو الإمبراطور الجديد».
ترك مريم خلفه نحو مليون قتيل قبل أن يلجأ إلى زيمبابوي. فعل ما فعله جميع الانقلابيين في العالم الثالث، وخصوصاً أفريقيا. صار هو البلاد وثروتها وشعبها. مضيفه روبرت موغابي أصبح في الثالثة والتسعين وهو يستعد لولاية أخرى، أو لتعيين زوجته خلفاً له. هو أيضا بدأ ماركسياً ومشبعاً بخطب لينين. مسكينة أفريقيا، ينطبق عليها المثل الشعبي القائل «لماذا تبكي وأنا خالك؟ والجواب، إنني أبكي لأنك خالي». الشيء الوحيد الذي توقف عنه موغابي، هو طبع العملة الوطنية، لأنها لم تعد تتسع للأصفار.
ما هي الخيانة العظمى؟ هل هي أن تتعامل مع العدو، أم أن تكون أنت العدو؟ منغستو مريم صورة، أو بالأحرى، نسخة عن صورة. الفاقع فيها هو الألوان الإمبراطورية التي كررها وهو يقتل مليون شخص باسم الاشتراكية والمساواة. فإذا هي في شيء واحد: الفقر والقهر والموت.