محمد العسومي 

تتوالى الخسائر الجسيمة للاقتصاد القطري، وحدث ما أشرنا إليه في مقالة الأسبوع الماضي، حيث تراجع التبادل التجاري وارتفعت الأسعار نتيجة لنقص المعروض من السلع وتأثرت الخطوط القطرية بصورة ملحوظة وتدهور القطاع المالي. الاقتصاد لا يحتمل المكابرة، فالسوق له قوانينه وظروفه الموضوعية، والتي لا بد أن تُعالج بنفس الموضوعية والبراجماتية التي تعبر عن المصالح قبل أي شيء آخر، تلك المصالح التي ترتبط في حالة قطر بأشقائها في دول مجلس التعاون وليس بنظام ولاية الفقيه المتطلع للهيمنة الطائفية، ولا حتى بقوى إقليمية أخرى، كتركيا.

صورة الأوضاع الاقتصادية في قطر، كما نراها، قاتمة رغم التطمينات الرسمية، فكل يوم يمر يحمل معه المزيد من الخسائر والتعقيدات التي سيكون من الصعب مواجهتها، فالجغرافيا لها ثوابتها مهما حاولنا تجاهل هذه الثوابت، فقطر مكون خليجي قبل أي شيء آخر وشعبها شعب شقيق مشكلته أنه ابتُلِي بإدارة سخرت جزءاً كبيراً من ثروته لدعم منظمات إرهابية والإساءة قبل ذلك إلى أشقائها في دول المجلس بدعم التخريب المدعم بالوقائع والإثباتات التي رصدت على مدى السنوات الماضية.

ومرة أخرى الخسائر ستتوالى كما يتضح من البيانات والأرقام الإضافية التالية، فقطاع السياحة، والذي تحول إلى مكون أساسي من مكونات الاقتصاد القطري سينهار عملياً، فالسياح القادمون من دول مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص من السعودية والإمارات يشكلون 50% تقريباً من مجموع السياح والمقدر عددهم بـ2.5 مليون سائح في العام الماضي وفق الهيئة العامة للسياحة في قطر، حيث ارتفع عدد السياح السعوديين وحدهم بنسبة 25% في غضون عام واحد فقط. هذه الأعداد التي تتجاوز المليون سائح خليجي ستتوقف عملياً حيث لا يشكل السياح القادمون من دولة الكويت وسلطنة عُمان نسبة تذكر، مما يعني انخفاضاً كبيراً في المسافرين على الخطوط القطرية وحجوزات الفنادق وانخفاضاً كبيراً آخر في الطلب على السلع والخدمات وتضرر قطاعات اقتصادية مهمة بسبب المقاطعة الخليجية.

وعلى صلة بذلك، فقد ألغت الخطوط القطرية في الأيام الثلاثة الأولى للمقاطعة أكثر من 1500 رحلة طيران، حيث ستستمر عمليات الإلغاء لتصل إلى مرحلة ستتكبد فيها الشركة خسائر كبيرة، إذ سينعكس ذلك على قدرتها في تسديد التزاماتها المالية، مما سيعمق من مصاعب القطاع المصرفي الذي شارك في عمليات تمويل شراء الطائرات بمليارات الدولارات. وفي الوقت نفسه ونتيجة لذلك لوحظ تحويلات هائلة للأموال إلى خارج قطر في عملية هروب استباقية لما يمكن أن تؤول إليه التطورات الاقتصادية والأمنية، مما حدا بالمصرف المركزي هناك إلى أن يطلب من المؤسسات المالية والمصرفية بموافاته أولاً بأول بأحجام هذه التحويلات، والتي لم تقتصر على المؤسسات فقط، وإنما شملت الأفراد أيضاً.

القطاعات الاقتصادية كما هو معروف، هي عبارة عن سلسلة مترابطة لا يمكن فصلها بعضها عن بعض، فالمصاعب التي تصيب قطاعاً رئيسياً تنعكس آثارها السلبية على بقية القطاعات كما رأينا عند بداية الأزمة المالية العالمية، والتي بدأت بالقطاع العقاري في الولايات المتحدة لتمتد إلى بقية القطاعات، وبالأخص القطاع المالي.

لم تكن دول الخليج العربي في يوم من الأيام تتمنى أن يحدث ذلك، وتلجأ إلى أساليب المقاطعة، إلا أن قطر قطعت كل حبال الود والتسامح التي انتهجتها دول المجلس، فساهمت في تخريب الاقتصادات العربية من خلال تمويل الإرهاب «الإخوانجي» بشكل خاص، فالاقتصاد المصري والبحريني على وجه الخصوص عانيا من عمليات تخريب مؤلمة ناجمة عن التمويل القطري لـ«الاخوان» ولـ«جمعية الوفاق» و«حزب الله» في البحرين.

ما يحدث لا أحد يرغب به، فالكل يتمنى الخير والتنمية للشعب القطري الشقيق، كما يتمناهما لجميع الشعوب ولكن بشرط أن تتوقف قطر عن التخريب، وألا تسعى إلى الإضرار بمصالح الدول الأخرى، وخصوصاً إذا كانت هذه الدول تشاركها تجمعاً إقليمياً يفترض أن يدافع الجميع عنه، ويتجنب الإساءة وإلحاق الضرر بأعضائه بأي صورة من الصور، كما فعلت وتفعل قطر.