علي محمد فخرو


عند النظر إلى المشهد الخليجي العربي الحالي ينبغي التفريق الحذر بين جانبين في صورة المشهد: الجانب الأول يتعلق بالخلافات السياسية - الأمنية - الإعلامية . أما الجانب الثاني فيتعلق بمصالح وثوابت قومية عربية عليا، يجب أن تنأى بنفسها عن المؤقت والمتغير المتحوّل.
نحن في مقال اليوم معنيون بالجانب الثاني من الموضوع الذي يفرض على جميع الجهات مسؤولية قومية، وأخلاقية، بأن تتذكر وتحاول أن تلتزم بالآتي:
* أولاً: لقد عملت شعوب وحكومات دول مجلس التعاون السّت، عبر أكثر من ثلث قرن، على بناء منظومة قومية عربية تسعى في مراحلها الأولى إلى الاندماج الاقتصادي، والتنسيق السياسي لبناء مفاهيم واستراتيجيات مشتركة، والتعاون الأمني لحماية الجميع ضد الأعداء المشتركين. وكما نص النظام الأساسي للمجلس فإن الهدف النهائي هو قيام نوع من الوحدة العربية الجزئية فيما بين دول المجلس.
لقد طرح موضوع الانتقال إلى الوحدة رسمياً، أكثر من مرة، كتعبير عن التزام قادة دول المجلس بذلك الهدف القومي المصيري. وفي الوقت نفسه أظهرت استطلاعات للرأي، وتصريحات كثيرة من قبل الكثير من مؤسسات المجتمع المدني في الدول الست، رغبة الأغلبية الساحقة من مواطني دول المجلس في الانتقال السريع المدروس إلى هدف الوحدة، خصوصاً بعد أن اشتعلت النيران في كل أرجاء الوطن العربي، وفي إقليم الشرق الأوسط، وضعف إلى حدود مفجعة العمل العربي القومي المشترك فيما بين أقطار الوطن العربي كله، ممثلاً بهزال مفروض أصاب الجامعة العربية.
هذا الجهد المتعاظم، والبناء البالغ الأهمية الذي أصبح من المقدسات السياسية لدى مواطني دول الخليج العربي، يجب ألا تصل إليه أيّة نيران، ولا يصيبه أيّ رذاذ، ولا يوقف مسيرته أيّ خلاف، ولا يسمح لأحد أن يستغل الفرصة لإضعافه وإدخاله في المتاهات الاستخباراتية التي تحوكها ليل نهار.
يكفي المجلس ألماً وشعوراً لتخطي استعمال أدواته المتاحة من جهة، ولعدم الأخذ عبر سنين حياته، بأصوات واقتراحات الكثيرين الذين طالبوا بأن تحتوي تركيبة المجلس على جهة قانونية وقضائية لحل كل أنواع الخلافات، ولمنع أي نشاط يضر بمصالح المجلس المشتركة.
مجلس التعاون يحتاج لأن يحاط بحيطان من الخطوط الحمر، بحيث لا تُمس تركيبته، ولا تُعطل مسيرته، ولا يُحرف عن أهدافه الوطنية والقومية من قبل أيّ كان. والتاريخ قد علّمنا أن الشعوب لن تغفر لمن يدمّر أحلامها.
* ثانياً: لقد أثبتت السنوات السبع الماضية أن إقحام الخارج في الشؤون الداخلية للأمة العربية، لترجيح هذه الكفة أو تلك، قد قاد إلى كوارث.
أما الدول الغربية، ذات المطامع الاقتصادية، أو الممارسات الاستعمارية، فإنها لم تدخل في خلاف عربي إلا وحرفته، ودوّلته، وجعلته خلافاً مستعصياً على الحل. وأما الاستعانة بالعدو الصهيوني فإنه كاستعانة الخراف بالذئب اللئيم الجائع.
إن الاستعانة بالخارج لا يمكن إلا أن يقود إلى الابتزاز الاقتصادي، والتيه في المؤامرات الاستخباراتية. وعلى من يريد البرهان أن ينظر إلى الحال الذي وصلت إليه أحوال الأشقاء في العراق وسوريا وليبيا والسودان والصومال واليمن.
* ثالثاً: إن الوطن العربي ينزف دماً وقيحاً جراء الصراعات الطائفية العبثية من جهة، وجراء الجنون التكفيري الإرهابي من جهة أخرى.
من هنا، فإن إقحام ذلك الجسد المنهك وإدخاله في متاهات سياسية جديدة لن يفيد أحداً، وقد يضر بما بقي من ثوابت قومية ممتحنة، وعاجزة.
إن الاستعانة الوحيدة المعقولة هي في الطلب من ذلك الجسد القومي المنهك لتضميد الجراح، وتقريب وجهات النظر، وإبعاد التدخل الأجنبي الاستعماري الصهيوني. الطلب من ذلك الجسد المثقل بالمصائب لترجيح هذه الكفة، أو تلك، يجب أن يصبح خطاً أحمر، وإلا فإننا سننشر النار في أرجاء الوطن العربي كله.
نحتاج هنا للتذكّر بأن بعض التدخلات الخليجية الخاطئة في الماضي، بحسن نية، أو بسوء نية، هو أحد أسباب المشهد الخليجي المفجع الذي يتحدّى حكمتنا، وأخلاقنا.
* رابعاً: لقد قلناها في الماضي، ونعود لنقولها بقوة وإشفاق في أيام محنتنا التي نعيشها بخوف وهلع: لا تحمّلوا الشعوب مسؤولية أخطاء ارتكبتها جهة معينة، من دون أن تسأل الشعوب عما تريد، وعما تشعر به. وبالأخص لا تشعلوا الفتن فيما بين الشعوب.
إن تاريخ الأمة العربية كله هو مشاهد أحزان ومحن كابدتها الشعوب بسبب أخطاء هذا المسؤول، أو ذاك، أو هذا الفقيه أو ذاك، أو هذا الحزب أو ذاك، أو هذا المجنون أو ذاك.
السلام والتواصل والتفاهم فيما بين شعوب أمة العرب هو الأمل الوحيد الذي بقي لبناء مستقبل هذه الأمة المنكوبة، ومن يحاول تدمير ذلك الأمل سيرتكب جريمة لا تغتفر.