صالح الديواني

اليوم نقف أما مشهد مكرر من دفاتر التاريخ والمغامرين المغرورين يتمثل في جماعة الإخوان المسلمين والقيادات القطرية التي لم تتعلم على ما يبدو من ذاكرة التاريخ جيدا

ليست فكرة توحيد العالم والاستحواذ عليه بجديدة في الأحلام والمساعي البشرية ممن تربعوا على مقاعد القيادة الطامحين إلى التوسع، بعد أن توفرت بين أيديهم بعض أشكال القوة التي اعتقدوا أنها ستمكنهم من تحقيق ذلك الهدف الكبير، فقد حاول عدد من القادة المتهورين في العالم القديم والحديث فعل ذلك وأقدموا عليه، ليلقوا حتفهم على حدود أحلامهم نتيجة لصلابة طبيعة تنوع العالم، والذي نظروا إليه من خلال الانتهازية البحتة لأحلام بشرية، تخالف في صلبها فلسفة وطبيعة خلق الله تعالى لأصل الكون وأسسه. 
لم ينجح أولئك الطامعون لعدة أسباب يكمن أهمها في الطبيعة الانتهازية التي صبغت شخصياتهم على الدوام باختلاف ذرائعهم لتحقيق تلك الأحلام، كما أن الثقافة الأم لكل أمة أو مجتمع تحتم على أهلها الدفاع عنها وصون منجزاتها من التجريف والاندثار القادم إليها على يد المستحوذ أو الغازي الجديد. وتذكر صفحات التاريخ حين قرر الإسكندر المقدوني أو الإسكندر الأكبر -كما ورد في بعض الروايات عنه- التحرك نحو غزو العالم من جهة الشرق، وكان أكثر ما يستولي على تفكيره هو الوصول إلى نهاية العالم ونشر الثقافة اليونانية الواحدة وفرضها كثقافة للعالم بأسره، والتي كان يرى فيها قوة ناجعة للسيادة والزعامة، والأصلح لقيادة العالم فكريا وسياسيا، لذلك شن الحروب العسكرية على كثير من الشعوب من أجل ذلك الحلم الطموح الذي قد يستغرب الكثيرون منه. ولكن يزول الاستغراب من ولعه ذاك بالثقافة ونشرها بالقوة إذا علمنا أنه تلميذ نجيب للفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو، فقد كان الأخير معلمه الخاص الذي أشرف على فتح آفاق العالم له من خلال دروسه وتربيته، على الرغم من نبذه لاستخدام القوة في غير المشاريع الخيرة.
وأظهر طموحات وأفكار الإسكندر بناؤه المكتبات والمرافق الثقافية أينما وطأت أقدام جيوشه، واهتم كثيرا بالالتقاء الثقافي بين الشعوب، إلا أنه عمل على أن تكون الثقافة التي يحملها هي السائدة، وتمكن عطفا على ذلك من خلط الثقافة الإغريقية الهلينية بالثقافات الشرقية المختلفة للشعوب الخاضعة له، وأسس أكثر من عشرين مدينة حملت اسمه في أنحاء مختلفة من إمبراطوريته، وتُعد مكتبة الإسكندرية شاهدا صريحا على ولع الإسكندر الأكبر بهذه الرؤية كمبدأ لقيادة العالم.
واشتد حضور الفكرة في العصر الحديث بعد أن توافرت أدوات القوة في اليد البشرية، حين تبنى الزعيم السياسي الروسي لينين الأفكار الماركسية الاشتراكية التي أطلقها الفيلسوف الألماني كارل ماركس في القرن التاسع عشر، دعيا إلى تحويل الحرب العالمية إلى حروب أهلية ضد حكومات رأسمالية في الدول الأوروبية، ساعيا وجاهدا إلى الاستحواذ على العالم، من أجل تحقيق العدالة والمساواة بين البشر، كما كان يعلن في خطاباته النارية، ودعمت هذه الشعارات مشاريع التوسع السياسي لحكم العالم بأسره، ليأتي بعد ذلك الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر، الذي قتل على إثر إيمانه بمبادئ عنصرية طامحة إلى حكم العالم ملايين البشر في إنحاء العالم، وقامت الحرب العالمية الثانية على إثر نزعاته وطموحاته التي بنيت على أفضلية الجنس الآري الذي ينحدر منه الألمان على كل البشر! رافعا شعارات عديدة مثل «ألمانيا قوية، وألمانيا للألمان»، وقد زادت الشعارات القومية التي نادى بها هتلر من غروره اللا محدود، لتشتعل الحرب العالمية الثانية التي انتهت بهزيمة مذلة، تسببت في تدمير معظم ما بناه الألمان، وانتحار هتلر المغرور الطموح لسيادة أوروبا والعالم.
اليوم نقف أما مشهد مكرر من دفاتر التاريخ والمغامرين المغرورين يتمثل في جماعة الإخوان المسلمين والقيادات القطرية التي لم تتعلم على ما يبدو من ذاكرة التاريخ جيدا، ومشاريعهم التوسعية التي تبحث عن السيطرة على العالم، لكنهم الآن على مقربة من نهاية المغامرة ودفع الثمن غاليا كما تقول المؤشرات السياسية. وللحديث بقية..