عبد الجليل زيد المرهون

 

لقد استهدفت لندن، لأكثر من مرة، في غضون ثلاثة أشهر. والسؤال هو: لماذا حدث ذلك؟

بالطبع، كل قدم رؤيته لما حدث، وكل له منطلقاته في التحليل والاستنتاج. وصحة التحليل لا تعني شموله أو تكامله.

هناك من رأى أن الهدف يكمن في المساس بلندن بما هي إحدى عواصم الاقتصاد العالمي، وعاصمة المال والأعمال في أوروبا.

من ناحيته، رأى البعض الآخر أن المساس بلندن يمثل محاولة لضرب نموذجها التعددي، أو لنقل تعدديتها الثقافية، التي يُمكن تعريفها أيضاً بالتعددية الاجتماعية.

ضرب هذه التعددية يكون من خلال خلق مناخ من الهواجس حيال الآخر. وبالطبع، هذا هدف كبير لأية قوة معادية لبريطانيا ونموذجها التعددي.

في السياق ذاته، إن من يستهدف لندن يستهدف صراحة ضرب الحريات العامة، التي تعد أغلى ما يملكه الناس.

في المنتهى، فإن من استهدف لندن ربما يكون قد قصد ضرب المكانة والتعددية والحريات معاً.

والسؤال بعد ذلك هو: ما الذي ينبغي للمجتمع فعله في وضع كهذا؟

نجاح العدو يتوقف تماماً على رد فعل عامة الناس. متى انجروا لردود الفعل، يكون العدو قد حقق نجاحاً بقدر أو آخر. ومتى تجنبوا مثل هذه الردود فإن لا شي يكون قد تحقق له.

القضية حساسة على هذا الصعيد، والمعادلة دقيقة للغاية.

بعد ذلك كله، ما الذي على بريطانيا الدولة أن تفعله حيال هذا التكرار في الهجمات الإرهابية التي تزهق أرواح الناس؟

هناك خلايا إرهابية نائمة ثبت أنها خلف هذه الهجمات. وهذه المسألة ربما تمثل البعد الأمني في المقاربة.

من انخرط في مسار الجريمة والإرهاب قد لا يمكن إصلاحة بأي حال من الأحوال، خاصة وأنه خفي ومتستر.

البعد الوقائي يكمن في حماية المجتمع من تمدد الفكر الإرهابي، وانتشار الغلو والتطرف في صفوفه. هذا البعد قد لا يقل تحدياً عن المقاربة الأمنية التي قد تنهض بها أجهزة مكافحة الإرهاب.

الفرق هنا هو أن وقف زحف الفكر المتطرف ليس من مسؤولية السلطات الرسمية وحدها، بل هي أيضاً مسؤولية اجتماعية، تُلقى على عاتق النخبة المثقفة، من بما في ذلك وسائل الإعلام ورجال الدين.

وحيث إن الوقاية خير من العلاج، ومنع نشوء جيل من الإرهابيين خير من مواجتهه لاحقاً، فإن النخبة، وبالدرجة الأولى رجال الدين، لا بد لهم من النهوض بدورهم على نحو كامل. وهم بذلك يحمون أنفسهم ومحيطهم الاجتماعي المباشر قبل كل شيء. إنهم في هذه الحالة يعملون لأجل ذاتهم ومستقبلهم، بقدر تأكيد تمسكهم بمكتسباتهم التي تحققت على مدى عقود مديدة من الزمن.

وفي سياق ما يُمكن فعله أيضاً، فإن بريطانيا الدولة، أو السلطة، معنية بتأكيد حضورها في ساحات التمركز الأساسي للقوى الظلامية المتطرفة، التي تستهدف لندن، كما العالم أجمع.

هذه الساحات، تتمثل، بالنسبة لبريطانيا، في العراق وليبيا وسورية والصومال، وشبه القارة الهندية وأفغانستان.

وفيما هو أبعد من ذلك، هناك جهد دبلوماسي لا بد من تعزيزه. والدبلوماسية هي عنصر وقائي لا يقل أهمية عن التعاون الأمني مع الدول المختلفة.

المجتمع الدولي من ناحيته عليه تأكيد تضامنه مع بريطانيا، والوقوف إلى جانبها. والتعاون الدولي لا بد أن يتطور ويرتدي صيغاً وأشكالاً تتناسب وطبيعة التحدي المتزايد.

ختاماً، إن الظلمة لا يُمكن أن تنتصر على النور، ولا يُمكن للخوف أن ينتصر على الأمل، والفكر الظلامي لا مستقبل له في هذا العالم، لأنه منافٍ لسُنن التاريخ وصيرورته. إنه النقيض التام للحضارة والتطور.