أسعد حيدر

بعد شهر على انتخاب حسن روحاني، رئيساً للجمهورية، بأغلبيّة كبيرة تجاوزت التقديرات، ووقعت بعد حصول «تسونامي» شعبي – شبابي، يُذكّر بإعادة انتخاب محمد خاتمي وهزيمة ناطق نوري، وما تبعَها من مسارات أنتجت محاصرة الرئيس خاتمي ومنعه من إجراء منتجٍ لإصلاحات ضرورية، ما سهّل عملية محاصرته حتى نهاية ولايته. حالياً، يبدو أنّ المرشد آية الله علي خامنئي الذي ترك للتطورات أن تفعل فعلها أثناء الانتخابات، لأنّه أدرك أنّ مواجهة الخيار الشعبي الكاسح في تلك الفترة الدقيقة والصعبة لإيران وموقعها المركزي فيها خطر جداً. لم يعد يتحمّل فوز روحاني، بكل ما يعني ذلك من إنتاج مسيرة «روحانية» تتقاطع حكماً مع «المسار الخاتمي»، خصوصاً أن محمد خاتمي وبعد رحيل هاشمي رفسنجاني أصبح راسم المسار الإصلاحي في البلاد. وجاء توسع تحالف «جبهة الأمل» الإصلاحية مع محافظين معتدلين من وزن ناطق نوري وعلي لاريجاني، ليرفع حدة المواجهة.

الآن يذهب المرشد علي خامنئي بعيداً في وضع «الحواجز» أمام روحاني الى درجة تذكيره بمرحلة

أبو الحسن بني صدر، وضمناً بمصيره أي الهرب والنفي. مشكلة خامنئي في ذلك أنّ التكرار يتطلّب ظروفاً مماثلة للحالة السابقة. وهذا ما يفتقده اليوم. فلا هو بوزن الإمام الخميني، ولا روحاني ضعيفاً محاصراً كما حوصر خاتمي، وهو أقوى على المواجهة والصمود بهدوء «المحارب» الذي يعرف ماذا يريد وما هي إمكانياته. لذلك فإن ردّه على أي هجوم «خامنئي» مباشرة أو بالوكالة يواجهه بمواقف مباشرة أو بالوكالة أقوى وأصلب من السابق. مستشار روحاني البارز أبو طالبي قال رداً على كلام خامنئي الذي ذكّر فيه بأحداث 1980 التي أبعد فيها بني صدر، وعن حرية إطلاق «النار» سياسياً في تلك المرحلة: «إن المواجهة اليوم هي بين مَن يملكون حرّية إطلاق النار ومن يتسلّح بالقانون». ثم أردف نائب رئيس مجلس الشورى النائب المشاكس والصلب علي مطهري فقال: «حرية إطلاق النار لا تتحدد بجبهة واحدة دون سواها، الشعب يملك حرية إطلاق النار».

المرشد خامنئي ومعه كل المتشدّدين، يعملون على الالتفاف على «صمود» روحاني، واعتماد «المتشدّدين» من جبهة «الأمل» الهجوم سلاحاً للدفاع. ولا شك أنّ العمليّتين الإرهابيّتَين في مجلس الشورى وضريح الإمام الخميني، والتأكيد بأن الأكراد الإيرانيين المنضوين في «داعش» هم الذين هاجموا مقرّي الشرعيّتَين الدينية والتشريعيّة، قد صبتّا «الماء في طاحونة» الأصوليين المتشدّدين، من خلال دعوة كل الأطراف إلى الالتزام بالوحدة الوطنية. وقد جرى رفع منسوب الدعوة، بإضافة كميّة ضخمة من «مخزون» الخطر الأميركي. الى درجة أنّ الجنرال رحيم صفوي كبير المستشارين العسكريين للمرشد ذهب بعيداً في تهديداته فقال «إذا تعرّضنا لهجوم أميركي فإننا سنضرب كل قواعده في المنطقة».

لكن «الرسالة القوية» سواء نحو الداخل أو باتجاه الولايات المتحدة الأميركية جاءت عبر «صورة» الجنرال قاسم سليماني وهو يصلّي على الحدود السورية – العراقية. سليماني الذي يشكّل «رأس الحربة» للسياسة الإيرانية المتشددة إقليمياً، أراد في هذه «الصورة» التي تجسّد الاستفزاز القومي، أن يؤكد للداخل أن «عسكرة» السياسة الإيرانية في المنطقة بعيداً عن دعوات روحاني – ظريف للحوار، مستمرة. أما بالنسبة للأميركيين فهي أوضح لأنه أراد التأكيد على موقع إيران العسكري القوي في مواجهة العمل على سحبها وإضعافها، علماً أنه يمسك عسكرياً بمفاصل المنطقة. أما أخطر «رسالة» وجّهها سليماني لواشنطن فهي في وجوده وسط «جنوده» من الأفغان، فهو أراد إبلاغ القيادة الأميركية المتعبة في أفغانستان، أنّ الأفغان هم «جنوده» من «الهزارة» الشيعة ويمكنه الاعتماد عليهم رأس حربة له، إضافة الى علاقاته القوية مع الطاجيك وجزء من البلوش. بهذا على القيادة الأميركية الدخول معه في مفاوضات للتعاون والنفوذ في أفغانستان أو متابعة الحرب الخاسرة، واستكمالاً لعمليّة مواجهة «الخطرَين» جرت وتجري الدعوة الى الوحدة الوطنية. وقد سبق للتيار المحافظ دائماً استثمار شعار «الانضواء في الوحدة الوطنية لضرب التيار الإصلاحي، أو على الأقل «تقليم أظفاره»».

الآن يلجأ المتشددون الى «الوحدة الوطنية» ، لفرض مشاركتهم في الحكومة المقبلة التي يجب أن يُعلنها روحاني بعد إتمام مراسم القَسَم الدستوري في أواسط آب القادم، ويبدو أنّ ما يسعى إليه هؤلاء بقيادة خامنئي، الحصول على الوزارات السيادية أي الدفاع (التي يديرها حالياً العميد دهقاني والأمن والداخلية)، بحيث يتحول روحاني الى «مدير» لإدارة الاقتصاد والعلاقات الخارجية.

العمل على إضعاف روحاني، لا يتمّ كما حصل مع خاتمي لضرب نفوذ الإصلاحيين فقط وإنما أيضاً لزرع «الحواجز» أمام مسار خلافة المرشد خامنئي في أي وقت يقع ذلك. ويبدو أنّ المتشدّدين أدركوا أنّ طموحهم في الاستيلاء على موقع المرشد بالتضامن والتكافل مع آية الله علي خامنئي يزداد صعوبة بسبب التطورات والتحولات. ذلك أن مرشح خامنئي كان ابراهيم رئيسي، ولا شك أن سقوطه الذريع وتبين إمكاناته المتواضعة أثناء الحملة الانتخابية، قد فرضا عليه الانسحاب والضمور في موقعه الهام جداً (في جميع الأحوال) في «الحضرة الرضويّة» في مشهد. أيضاً فإنّ مرض آية الله شهرودي الى جانب «نجفيّته» قد دفع الى سحبه من التداول، ويُقال حالياً إنّه يجري دفع آية الله صادق لاريجاني رئيس القضاء نحو الواجهة للخلافة وقد اختار لدخوله السباق «بطاقة» الهجوم على روحاني. علماً أنّ كل ذلك ما زال في البداية بانتظار تبلور تركيبة «الإدارة الروحانية» الجديدة والمُطالبة بالإفراج عن مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي.

لا يمكن الحديث عن حالة حسم في إيران، خصوصاً أنّ الجبهات الداخلية والخارجية مفتوحة. وما يضيف الى هذا الغموض في النتائج، غموض الموقف الأميركي الى درجة أنّ تحديد ما تريده واشنطن: المواجهة أو التفاوض والتعاون مع طهران الذي ما زال معلقاً بكل نتائجه!