بهجت قرني

لعل الطريق الأقصر لفهم رد الفعل الأميركي حيال أزمة الخليج هو الولوج إلى عقل الإدارة الأميركية نفسها، خاصة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس دونالد ترامب إلى المنطقة، والتي وُصفت سياسياً وإعلامياً بـ«الحدث المهم». فلنذهب أبعد ونجيب عن السؤال: لماذا اختص ترامب منطقة الخليج بأولى زياراته الخارجية كرئيس؟

هناك على الأقل ثلاثة أسباب:

1- التوافق السياسي: فعلى العكس تماماً من سياسة سلفه الرئيس باراك أوباما، كان ترامب في حملته الانتخابية حريصاً على جعل مواجهة إيران إحدى أولويات سياسته الخارجية، حتى لو اقتضى ذلك تقويض الاتفاق النووي مع طهران أو إلغاءه، وبالتالي ضرب المصداقية السياسة للإدارة الأميركية السابقة، وربما كان الحلف الإسلامي العربي الأميركي الذي تم تدشينه، سياسياً وإعلامياً، أثناء الزيارة، ترجمة مباشرة لهذا التوافق السياسي المستجد.

2- البعد الاقتصادي: هناك عدة خصائص في شخصية ترامب، منها كونه رجل أعمال ناجحاً يُجسد أهم مظاهر الرأسمالية الأميركية المغايرة للرأسمالية الأوروبية، إذ تعيش الأولى في بيئة أكثر تنافسية، وبالتالي فإنه بسبب وتيرتها الدينامية المتسارعة فهي تقوم على الصفقات المباشرة والسريعة، ولا يزال ترامب وفريقه يرددون حتى الآن أن زيارته التي حققت مليارات الدولارات، تُحقق أيضاً مئات الآلاف من الوظائف في الولايات المتحدة، وبالتالي فهو يُظهر للأميركي البسيط أن سياسته ذات عائد فوري على الأسر الأميركية في حياتها اليومية، وقد جاءت الصفقة الأخيرة مع قطر لشراء طائرات بحوالي 12 مليار دولار لتذهب في نفس الاتجاه أيضاً، ولكي يستثمرها ترامب وفريقه ليؤكد الصفة ذاتها لسياسته الخارجية، وهذا عنصر مهم يروق لكثير من الأفراد الأميركيين ممن لا يهتمون بتعقيدات السياسة الخارجية ويودون استيعابها ببساطة على أنها إما مكسب أم خسارة.

3- محاولة تفكيك الحصار الداخلي: ليس سراً بالمرة أن هناك خلافات أميركية داخلية بين أجنحة الإدارة الأميركية الحالية، بل الواقع الذي أراه من هنا يُبين أن الأزمة تزداد لتتعدى بكثير جوانب شخصية في هذا الموقف أو ذاك، ففي فترة الشهور الخمسة الأولى، وهي عادة فترة «شهر العسل» مع الناخبين، نجد أن البيت الأبيض اضطر للتخلي عن بعض المعاونين بمن فيهم مستشار الرئيس للأمن القومي، أي أقرب المقربين إليه مؤسسياً، سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية، ونحن نعرف أهمية هذا المنصب والقائم به عندما نتذكر أسماء مثل بريجنسكي أو كيسنجر، كما قام بطرد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي)، أو ما يعادل وزير الداخلية والصندوق الأسود للمباحث والأمن الداخلي، والذي ذهب إلى الكونجرس وأسهب لعدة ساعات، وعلى الملأ، في الحديث عن محاولات بذلها الرئيس للتأثير عليه كي يتجنب تعقب معاونيه فيما يتعلق بالتسريبات والتواصل مع الروس أثناء الحملة الانتخابية، وخطورة هذا الاتهام الأخير كونه يصب في جدول إعاقة سير العدالة، وهي التهمة التي أدت إلى استقالة الرئيس الأميركي الجمهوري السابق ريتشارد نيكسون في سبعينيات القرن الماضي (فضيحة ووترجيت)، وكادت تُطيح بالرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون في التسعينيات (فضيحة مونيكاجيت).

ولعل تلك الأسباب الثلاثة تبين باختصار أهمية منطقة الخليج من وجهة نظر العقل السياسي الحالي في البيت الأبيض، فهل ينجح الخليج فعلاً في التأثير على ترامب وسياسته الخارجية؟ وما المكاسب التي يحققها الخليج في المقابل؟