نبيل عبد الفتاح

هل الخوف وإشاعته من قبل النخبة الحاكمة لا يزال أحد أهم أدوات السيطرة من خلال آلة القمع والعنف الرمزي والمادي للدولة والنظام التسلطي أو الشمولي؟. 

إن مقولة الخوف / السيطرة الهوبزية تكتسب بعض أهميتها مما يلي: 

عودة سياسة الخوف وتجسيده من قبل بعض النظم السياسية التسلطية والنخب الحاكمة عقب فشل الانتفاضات الجماهيرية «الثورية» في المنطقة العربية. 

انهيار بعض الدول العربية ومعها النظم الحاكمة في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وانتشار العنف وبركان النيران والدماء والأمراض ونقص الغذاء والحروب الأهلية، وموجات واسعة من الهجرة القسرية داخل هذه المجتمعات المنهارة وشظاياها، وإلى الدول المجاورة وبعضها إلى بعض الدول الغربية بكل مشكلات هذا النمط من الهجرة وتدفقاتها. 

انتشار جماعات العنف والإرهاب داخل بلدان الانتفاضات في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وسوريا، والعراق، من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق »داعش«، واستخدامها لأيديولوجيا التوحش وأنماطه بالغة القسوة، والوحشية وأخيلتها اللامحدودة في إشاعة الذعر والخوف، وأقصى مستويات الألم »الفردي«، والجماعي من خلال انطلاق الأخيلة الوحشية وطابعها البربري في الذبح والحرق والإلقاء بالأجساد الحية من أعلى البنايات، والعربات المفخخة والانتحارية، ودهس المارة العابرين في الشوارع، وطعن بعضهم بالسلاح الأبيض، كلها أعمال عنف حاملة لرعبها الملحق، والذي جعل من الإرهاب والخوف ثنائية لم تُعد مقصورة على الإقليم العربي، وإنما ارتحلت إلى أوروبا والولايات المتحدة، ومناطق أخرى في عالمنا على نحو جعلها ثنائية كونية الطابع. 

الفراغات الأمنية التي تمددت ولا تزال نسبيًا في بعض البلدان أثناء وفي أعقاب الانتفاضات الجماهيرية في مصر وسوريا، واستمرارية العمليات الإرهابية، في أعقاب سقوط حكم الإخوان المسلمين والسلفيين في مصر، والدور السياسي المتزايد للنهضة في تونس بعد فشلهم السياسي في الحكم عقب الانتفاضة التونسية، والأخطر بروز بؤر للإرهاب في جنوب تونس، وعمليات إرهابية في مناطق سياحية هامة متحف باردو على سبيل المثال-، ووقائع العنف الإهاربي لم تعد مقصورة على شمال سيناء، وإنما امتدت إلى عديد المناطق داخل الجمهورية، من عربات مفخخة وانتحارية، وتفجيرات طائفية إرهابية، أو ناتجة عن تحريض ديني أو مذهبي، على نحو أدى إلى استشهاد رجال من القوات المسلحة والشرطة ومواطنين عاديين .. كل هذه الأعمال العنيفة الحاملة للخوف والرعب مستمرة على الرغم من تمدد الآلة الأمنية واستعادتها لبعض من قدراتها التقليدية وتخفيضها للعمليات الإرهابية. 

تزايد معدلات العنف وأشكال الخروج على قانون الدولة وهو ما أدى إلى تبلور قانون القوة والغلبة والمكانة المضاد للدولة، وفرض قواعد الأمر الواقع والحامل لحقائق مغايرة للقانون الرسمي. 

من ناحية أخرى يبدو ضعف وعدم فعالية قانون الدولة وهو ما ينتج فقدان المصداقية ومعها الخوف، بالنظر إلى غياب المؤسسات السياسية الفاعلة في أداء الوظائف المنوطة بها، في ظل ضعف المشاركة المجتمعية، وحصار المجال العام السياسي، وتهتك حرمات المجال الخاص، والخصوصية داخله، على نحو أدى إلى الانكشاف »الفردي« والجماعي، وهو ما ينتج حالة فقدان للأمن والسكينة كنتاج لأشكال من التنصت من المواطنين على بعضهم بعضًا، أو من بعض أجهزة الدولة عليهم، لاعتبارات الأمن، والبرامج الخاصة بالمتابعة والرقابة الرقمية. حالة انكشاف عامة، تولد غياب الإحساس بالأمن والسكينة كاحتياجات سوسيو نفسية جماعية وشخصية. 

صراع بعض سلطات الدولة مع بعضها بعضًا حول هيكل القوة، وبروز توترات واحتقانات، في عديد القضايا الكبرى على نحو ما لوحظ في ملف السيادة على جزيرتي تيران وصنافير. من ناحية أخرى غياب رؤية حول الحد الأدنى من التوافقات بين هذه السلطات، وأجهزة الدولة في الحدود الدنيا، مما يولد القلق والخوف من وهن العافية السياسية للدولة وفاعليتها، لاسيما في ظل ترييفها في فكر غالب العاملين في أجهزتها فكرًا وسلوكًا بما يتنافى مع ثقافة الدولة الحديثة والحداثية التي تتآكل وتزوي. 

تراجع مستويات الخيال والفكر والسلوك السياسي الخلاق في ظل »سياسة اللاسياسة« التسلطية التي غادرتها قدرات الدولة وتقلص كبير في سياساتها الاجتماعية في ظل أزمات ومشكلات اقتصادية واجتماعية هيكلية، واتساع الفجوات الجيلية بين الشباب والدولة والنظام ومؤسساته، كنتاج لفشل الانتفاضة الجماهيرية، وعدم استقرار المراحل الانتقالية، وعدم كفاءة غالب تشكيلاتها الوزارية، وسياسة الإقصاءات والقيود على المجال العام السياسي، وعمليات القبض والدهم والمحاكمات بدعوى فرض الأمن والنظام العام التي تزيد الاحتقانات والتوترات، وتشيع الخوف، في ظل ضعف الأحزاب السياسية ومؤسسات المشاركة، والقيود على المجتمع »الأهلي« ونشاطاته.