سمير عطاالله

يمضي أمين معلوف سحابة من السنة في الجزيرة الفرنسية «ري»، بعيدًا عن باريس وعن كل علاقة اجتماعية، منصرفًا إلى وضع كتاب جديد كان قد جمع أبحاثه في السنة الماضية. التقيته خلال اضطرابات وصخب «الربيع العربي»، وسألته على ماذا يعمل حاليًا. وقال: «لست قادرًا على التركيز. أحداث العالم العربي تعصف بنا جميعًا».

العام 1940 السنة الأولى من الحرب العالمية، قال الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ «للنيويورك تايمز»: «الأشهر الماضية كانت قاتلة بالنسبة إلى الإنتاج الأدبي الأوروبي. فالقاعدة الأولى لكل عمل أدبي إبداعي تبقى التركيز. وكيف يمكن أن يظل التركيز ممكنًا فيِخضم مثل هذا الزلزال الأخلاقي؟ إن معظم الكّتاب في أوروبا يقومون بأعمال لها علاقة بالحرب في شكل أو آخر. والآخرون هربوا من بلدانهم إلى المنافي. إن العزلة لم تعد ممكنة بينما عالمنا يشتعل». و«البرج العاجي» لم يعد مضادًا للقنابل. «من ساعة إلى ساعة يمضي المرء وقته في تسقط الأخبار. وليس في الإمكان تجنب قراءة الصحف، يضغط عليه القلق على أحوال أقربائه
وأصدقائه».

جميع كّتاب أوروبا الكبار قالوا في تلك المرحلة الشيء نفسه. كيف تكتب رواية عن مصير عائلة فيما قارة بأكملها تجهل مصيرها؟ كيف تتألم لمعاناة فردية وشعوب بأكملها تعيش في القهر والعذاب. تتحول المآسي إلى روايات وأعمال أدبية بعد انقضاء المراحل، ولكن متى تنقضي المراحل حقًا؟

قال زفايغ: «على كل سفينة. في كل مكتب سفر، في كل قنصلية قد تسمع من أناس عاديين قصصًا وروايات قد تكون أكثر خطرًا وإثارة من إلياذة هوميروس، ولو أنك نقلت، من دون إضافة كلمة واحدة، أقوال اللاجئين المدونة في وثائق وكالات الإغاثة، فسوف تخرج بمائة رواية أهم من روايات غي دو موباسان. لذلك، أعتقد أن الأعمال الأدبية في السنوات المقبلة، سوف تكون وثائقية تسجيلية».

تأخر ذلك حتى حدث العام 2015 نالت سفتلانا ألكسيفيتش نوبل الآداب على الأصوات التي روت لها مأساة تشرنوبيل وآثار انهيار الاتحاد السوفياتي. لم تضف إليها كلمة واحدة. دائمًا الحقائق أفظع المخيلات ودائمًا مأزق الكاتب في وقوفه عاجزًا أمام القضايا التي يطرحها. هرب زفايغ نفسه من أوروبا إلى الولايات المتحدة، ثم إلى البرازيل خلال الحرب العالمية الثانية، لكن شبح الحرب طارده إلى أقصى الأرض. 

وذات يوم من 1942 تناول هو وزوجته عددًا من الحبوب المنومة لم يفيقا منها. كذلك وقف إرنست همنغواي عاجزًا أمام يأسه من تردي الإنسانية وعجز الكاتب، فحاول الانتحار عدة مرات، منها بالوقوف أمام محرك طائرة استطاع قائدها تفاديه. وفي المحاولة الأخيرة وضع بندقية صيد في فمه وأطلقها.