نديم قطيش

لا ينبغي للأمر الملكي السعودي بتعيين الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، خلفًا للأمير محمد بن نايف، أن يكون مفاجئًا لأحد.

ليس الأمر سطرًا خارج النص السعودي. النص الذي بدأ بكتابته الملك سلمان، منذ اللحظات الأولى لتوليه الحكم خلفًا للمغفور له عبد الله بن عبد العزيز.

سريعًا بدأت المملكة تتخذ طابعًا تجديديًا. زار الأمير محمد بن سلمان واشنطن الصيف الفائت في عهد الرئيس باراك أوباما، وزارها قبل أشهر قليلة للقاء الرئيس الجديد دونالد ترمب. وفي المرتين، وعند الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ترك انطباعًا في عاصمة العالم أننا أمام سعودية جديدة قيد الولادة. ثم استقبلت الرياض الرئيس الأميركي الجديد ونظمت له، بجهد مباشر من الأمير محمد، ثلاث قمم، استثنائية، بقراراتها ومضامينها وشكلها عرفته موسكو، بوضوحه السياسي وبدقة تعريفه للمصالح، كما عرفته صارمًا حيال كل ما يتصل بصورة الدولة وهيبة موقعها، كلاعب دولي في المنطقة والعالم. وكانت جولته في آسيا قبل قمة العشرين في الصين فرصة للآسيويين للاطلاع عن قرب على أفكار وحيوية شاب يتهيأ لأن يقود زمام الإصلاحات.

كلها لقاءات أكدت دقة الانطباعات الأولى عن سعودية قيد الولادة في شخصه. ثم يعرفه العرب، من الحزم في اليمن إلى الحزم في ترتيب أوراق البيت الخليجي، مرورًا بتنشيط استثنائي للدور القيادي السعودي في قضايا وملفات الإقليم المشتعل. وتعرفه إيران التي سارع إعلامها لوصف الحدث بالانقلاب، وتبعها الغاوون.

والأهم يعرفه السعوديون. وجيله من السعوديين على وجه الخصوص، أي أكثر من ثلثيهم. هو منهم عمرًا، وبينهم نشأة، ومثلهم قلقًا من أسئلة المستقبل، ولهم أملاً في أن الغد السعودي أفضل.

سعى الأمير محمد بن سلمان بصدق لجمع رصيدين كبيرين: حماس وشجاعة الملك المؤسس عبد العزيز، وحكمة الملك سلمان. الجد، مؤسس العائلة. والأب، أميرها الدائم، والشريك الطبيعي في كل قرار تاريخي اتخذ في السعودية طوال أكثر من نصف قرن.

صورته التي تصدرت غلاف مجلة «بلومبيرغ»، كانت تجسيدًا دقيقًا للالتقاء بين الرصيدين في شخصه، وإشارة مبكرة أن الأمور تسير في هذا الاتجاه.

لا شيء مفاجئًا إذن، وإن كان ما يلفت في توقيت تعيين محمد بن سلمان وليًا للعهد في السعودية، فهو أن البلاد أقدمت على خطوة حساسة، بيسر وسلاسة، وهي محاطة بالحرائق والأزمات. أزمة اليمن جنوبًا وامتداد التهاباتها إلى عموم أمن البحر الأحمر غربًا. إلى العراق شمالاً، ونزولاً نحو الشرق باتجاه البحرين والآن قطر!

وبالتالي نحن بإزاء دولة واثقة بنظامها السياسي، ومدركة لمتطلبات المواجهة، ومالكة زمام المبادرة، بشأن مستقبلها ومستقبل شعبها، وإلا ما أقدمت.

هذا في التوقيت. أما في الشكل، فقد حاز محمد بن سلمان أعلى رقم ضمن هيئة البيعة منذ إنشائها عام 2007، بحصوله على 31 صوتًا من أصل 34، وهو تأكيد على التفاف الأسرة حول قرار الملك، الذي يرسم مسار الحكم في السعودية لعقود طويلة، بشخص محمد بن سلمان وخياراته ورؤيته. وفي الشكل أيضًا، ولهواة النوع، كانت صورة مبايعة الأمير محمد بن نايف لولي العهد، كأول المبايعين، بكل محمولاتها العاطفية ومفردات نظام العائلة السعودية، الذي يلعب فيه السن الدور الحاسم في ترتيب فروض الاحترام. 
وفي الشكل أيضًا وأيضًا، تحقيق سوق الأسهم السعودية أرباحًا غير مسبوقة منذ سنتين، في إشارة إلى الثقة الشعبية بقرار الملك
والحماسة السعودية لمحمد بن سلمان، خلافًا لكل الدعاية المضادة التي تفننت طويلاً في تخيل الصراعات والنزاعات الأسرية ولم تزل!

في المضمون، نحن بإزاء قرار يتصل بمستقبل المنطقة وليس مستقبل السعودية فقط، بشكل ندر أن جمع المستقبلين معًا وربطهما بتحول داخلي في دولة من الدول. الشبه بين محمد بن سلمان والسعودية ستزداد ملامحه وضوحًا. المزيد من التحديث الاجتماعي والاقتصادي في المملكة، ومشروعية أكبر للمضي في تمكين الجيل الشاب من الإمساك بقرار الدولة وإدارتها.

وسيكون للإرث الذي تركه «حارس المملكة» الأمير محمد بن نايف، بحسب وصف الأمير محمد بن سلمان له، موقعه المركزي في تكثيف دور المملكة في ملف محاربة الإرهاب، ومواجهة التطرف في الدين، وهو ما سيضع تحديات أمنية إضافية على كاهل السعودية.

أما في السياسة الخارجية للدولة، فتخطو السعودية، مع محمد بن سلمان، خطوات إضافية نحو كونها دولة لا تهادن ولا تعتدي. لا تسمح بالمساس بأمنها ولن تتورع عن إجبار الآخرين على احترام أمنها وسلامتها، ولا سيما إيران، في الوقت الذي تواصل فيه سياسة حسن الجوار والانفتاح على العالم. ما يعنيه هذا بالنسبة للاستقرار في الإقليم يعتمد على قراءة إيران، ومدى فهمها أن هناك سعودية جديدة عليها التعامل معها.