حافظ البرغوثي

تبدو الأزمة الخليجية الحالية هي الأكثر تعقيداً من بين الأزمات الطارئة في المنطقة، لأننا أمام نظام متمسك بعقيدة تخريبية فجة ضد جواره أولاً، قبل أن يكون خطراً على دول بعيدة عنه التي عاث فيها فساداً بواسطة بذل المال والسلاح، وتكييف شريحة من رجال الدين للترويج لسياسة القتل، والسحل، والتخريب، منذ عقد من الزمن، أو يزيد. 

وكانت الظروف الخليجية غير مؤاتية في السابق لتدخلاته التخريبية لبث عدم الاستقرار وقلب أنظمة حكم، وكانت أقرب الأنظمة إليه هي النظام الفلسطيني ممثلاً بالرئيس محمود عباس الذي تربطه به علاقات قديمة، منذ أن عمل في الدوحة في وزارة التربية، والنظام الليبي معمر القذافي، حيث كانت العلاقات بين حكام قطر والقذافي في أوجها وصلت لدرجة عرض قطر على القذافي احتكار الغاز والنفط عشرين سنة، وتحالفا في وقت من الأوقات لاغتيال الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. 

أما النظام السوري فالعلاقات معه كانت اكثر من ودية لدرجة أن الزيارات العائلية كانت أسبوعية بين النظامين، ووصلت لدرجة عرض قطر الاستحواذ على الغاز السوري في حوض حمص والبحر المتوسط الذي لم يكتشف بعد. وأول من غدرت به قطر هو السلطة الفلسطينية حيث دعمت الانقلاب في غزة، وحاولت في البداية التوسط لكن بطريقة تعطي لحماس المزيد من الهيمنة في الضفة أيضاً بعد سيطرتها على غزة، وعرقلت مع إيران وسوريا لاحقاً، أية محاولات للمصالحة، نكاية بمصر التي كانت ترعى جهود المصالحة. 

والفريسة الثانية كانت القذافي نفسه، حيث احتضنت الدوحة معارضيه، خاصة ذوي الميول الإخوانية، وما زالت عناصرها تلعب دوراً في الحرب الليبية، لأنها مصممة على منح جماعة الإخوان اليد الطولى في ليبيا. أما النظام السوري فلقي من قطر ما يلاقيه حتى الآن. 

لكن الشهية القطرية لإثارة القلاقل والفتن ظلت محاصرة في الخليج لعدم وجود ظروف مؤاتية، إلا في البحرين، حيث دعمت المعارضة هناك بالمال والدعم الإعلامي، لكنها وإن انضمت للتحالف العربي في اليمن إلا أنها ظلت تدعم التدخل الإيراني والحوثيين بطرق مختلفة، فالقنوات المالية السوداء ظلت تعمل من دون كلل، وطالت رجال دين ومعارضين في دول خليجية، وخلايا نائمة لجماعة الإخوان في كل مكان، ورتب القطريون زيارات لمعارضين من الجماعات المتطرفة في سوريا إلى «إسرائيل» للقاء جرحى من هذه الجماعات في المستشفيات «الإسرائيلية»، وإقناعهم بالانضمام إلى عناصر جماعة الإخوان في سوريا. 

وغني عن القول أن «إسرائيل» تقوم بدور مكمل للدور القطري في دعم بعض أجنحة المعارضة السورية، حيث تولت دفع تكاليف المستشفيات الباهظة، إذ تقدر تكاليف علاج كل جريح بألفي دولار يومياً، وإذا علمنا أن عددهم بلغ 15 ألفاً، ما زال 3 آلاف منهم في المستشفيات، عرفنا حجم المال الذي سددته قطر ل«إسرائيل»، وباعترافات قطرية، فإن دعم حماس مالياً من قطر كان يتم بموافقة «إسرائيلية»، لأن «إسرائيل» معنية بإدامة الانقسام الفلسطيني لأسباب سياسية، للتشكيك في وحدانية التمثيل الفلسطيني. ولم يكن «داعش» بعيداً عن هذه المساعدات اللوجستية «الإسرائيلية»، بل قدمت السلاح والمال لبعض قوى المعارضة في سوريا لأن هدفها إطالة أمد الحرب والدمار.

فلسفة قطر في دعم أغلب القوى الظلامية هي أنها تشعر بعقدة النقص إزاء الآخرين، خاصة دول الجوار، وتريد أن تكبر بالتسلح بقوى خارجية متطرفة، وحرصت منذ البدء على عدم إزعاج واشنطن، و»تل أبيب»، وكانت سياستها مكشوفة للأمريكيين في عهد ما قبل باراك أوباما. 

فعقدة النقص هذه هي دافع أساس في محاولة نظام قطر لعب دور أكبر من حجمه دولياً. من هنا فإن المخرج للأزمة يكون بتلبية المطالب الخليجية والمصرية، وإيجاد آلية لمراقبة سلوك قطر لاحقاً، إذ لا يمكن للدول الخليجية الركون إلى تطمينات، ولو كانت مكتوبة حيث نكثت الدوحة بوعودها في السابق. فالمسألة هنا لا تحسم كلامياً، ويجب وضع حد لهذه السياسة المدمرة التي لم تعد بأية نتائج، لا لقطر، ولا لغيرها، بل انتجت المزيد من الفتك، والقتل، والدمار، في أكثر من قطر عربي. فاللجوء إلى إيران وتركيا لن يحل المشكلة القطرية لأن المشكلة في الخليج وليس خارجه. فالوضع القطري حالياً يشبه وضع حشرة القرع التي نخرت قرعة وتضخمت، ولم تستطع الخروج إلا بعد أن عادت إلى حجمها الطبيعي، وخسرت ما كسبته من باطن القرع.