يوسف دياب

شكّلت تصريحات الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، التي لوّح فيها باستقدام مئات آلاف المقاتلين الإيرانيين والأفغان والباكستانيين واليمنيين للقتال معه، في حال اندلاع حرب جديدة بينه وبين إسرائيل، تحدياً واضحاً للدولة اللبنانية، وتهديداً صريحاً بإمكانية تحويل لبنان كما سوريا إلى ساحة لحروب إيران في المنطقة، وهو ما أثار رفضاً سياسياً لمحاولة نصر الله مصادرة القرار الاستراتيجي الذي يعتبر ملكاً للشعب اللبناني بأكمله ممثلاً بحكومته التي يشارك فيها «حزب الله».

وأكد رئيس حزب القوات سمير جعجع أن «فتح الحدود اللبنانية ليس ملك أحد، ولا يحق لأحد أن يتصرف بها حتى الحكومة اللبنانية لا تستطيع فتحها». وأشار جعجع في حديث إذاعي إلى أنه «إذا أردنا أن ندافع عن بلادنا في حال حاولت إسرائيل التعدي علينا، هل نقوم بفتح الحدود ونستقدم آلاف المقاتلين الغرباء، ومن سيقوم بإخراجهم لاحقاً؟ علماً أنه في المطلق ليس من حق السيد حسن طرح هذا الموضوع». وشدد على أنه في حال حصول أي اعتداء إسرائيلي على لبنان «المنطق يقول بوضوح إنّ الجيش اللبناني هو الذي يتصدى وكلّ القوى المسلّحة اللبنانيّة أيضاً، ومِن ورائها الشّعب اللبنانيّ، فنبقى ندافع عن أرضنا حتى آخر شخص منّا. إذ ليس المنطق أن نفتح حدودنا أمام أناس آخرين ليحتلوا بلادَنا أيضاً».
وكان نصر الله أعلن في خطاب ألقاه أول من أمس، لمناسبة «يوم القدس العالمي»، أن «أي حرب مستقبلية تشنها إسرائيل ضد سوريا أو لبنان، يمكن أن تجذب آلاف المقاتلين من دول مثل إيران والعراق واليمن»، وأنه «ستفتح الأجواء لعشرات آلاف بل مئات آلاف المجاهدين والمقاتلين من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي ليكونوا شركاء في هذه المعركة من العراق ومن اليمن ومن كل مكان آخر ومن إيران وأفغانستان ومن باكستان».
وحملت تهديدات نصر الله، رسائل تعبّر عن موقف طهران أكثر مما هو موقف الحزب نفسه، إذ اعتبر الدكتور سامي نادر، رئيس «معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية»، أن «هناك اصطفافاً نهائياً على السياسة الإيرانية، القائمة على حشد ميليشيات في سوريا من كلّ حدب وصوب، والتزاماً كاملاً لهذه الميليشيات بسياسة طهران التي تسعى للوصول إلى الساحة الجنوبية في سوريا، وفرض قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل». ورأى أن هناك «محاولات تمدد إيراني، للردّ على ما يحكى عن اتفاق أميركي - روسي في سوريا»، لافتاً إلى أنه «منذ بداية الأزمة السورية تحاول إيران التسلل إلى جبهة الجولان وفرض قواعد اشتباك مع إسرائيل».
وشدد سامي نادر على أن «ضرب القرار 1701 (الذي أقره مجلس الأمن الدولي لحفظ الاستقرار في جنوب لبنان) دونه معوقات، وكلفته عالية جداً على لبنان، لذلك يحاول حزب الله فرض لعبة جديدة مع إسرائيل عبر الحدود السورية».

وعن قدرة إيران على تحمّل مواجهة مع إسرائيل رغم إخفاقاتها في سوريا، أوضح رئيس «معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية»، أن «إيران مستعدة أن تمضي بالحرب حتى آخر مواطن عربي، خصوصاً أنها استطاعت أن تصل عبر الحشد الشعبي العراقي، إلى الحدود العراقية - السورية»، لافتاً إلى أن «الاشتباك مع إسرائيل عبر جبهة الجولان، يعطي طهران ورقة ضغط قوية في العالم العربي، وورقة نفوذ أساسية في اللعبة الإقليمية».
من جهته، استبعد الباحث السياسي ومدير «مركز أمم للأبحاث والتوثيق» لقمان سليم، نشوب حرب بين إيران و«حزب الله» من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية، ولفت إلى أن «الطرفين يستعرضان عضلاتهما الردعية، لكن تصرفاتهما تفيد بأن الحرب ليست من مصلحتهما معاً، وأن ما يجري لا يتخطّى حدود تبادل الرسائل، لأن هناك لغة إيرانية - إسرائيلية مشتركة، تقوم على الرغبة في تقاسم النفوذ على حساب دول المنطقة».
وتوقف الباحث السياسي لقمان سليم عند تهديد نصر الله باستقدام مئات آلاف المقاتلين من الميليشيات، فقال: «هذا الأمر خطير، ويشير إلى أن لبنان بذهنية نصر الله، ليس إلا ساحة لخوض الحروب باسم إيران». وأضاف: «أخطر ما في الأمر أن نصر الله لا يعتبر أن له شركاء في لبنان، ومشكلتنا مع تنظيم يتقمّص الهوية اللبنانية، لكنه غير لبناني الهوى والانتماء». معتبراً أن «ما قاله أمين عام حزب الله يشكل صفعة على وجوه الذين اجتمعوا في قصر بعبدا (رؤساء الكتل النيابية)، ويعتبرون أنفسهم أولياء هذا البلد، والمستغرب أن أياً منهم لم يعتبر نفسه معنياً بما يقال».