سمير عطا الله

يحسن بنا أن نلقي نظرة جانبية على وجود مصر ضمن كتلة خليجية تشكلت تلقائياً بسبب موقف سياسي من دولة خليجية أخرى. إن الخليج، لا سواه، هو المدى الحيوي لمصر في المستقبل المنظور.

صحيح أنه كان دائماً كذلك، أي موئلاً للعمالة المصرية والمدرسين والأساتذة والأطباء والمدرسات والممرضات وسواها، ولكن الآن، أكثر من أي وقت، يبدو الخليج، بصورة طبيعية، البوابة الذهبية للطاقة البشرية المصرية: العراق مغلق، لأسباب واضحة، سوريا لم تكن دولة مستقبلة، بل موردة لليد العاملة، كذلك بلاد المغرب جميعاً. والآن، خرجت ليبيا، رغم جوارها، من دول الاستقبال التقليدية للهجرة المصرية العاملة. إذن، تبقى احتمالات الخليج الواسعة، وبلد صغير يدعى لبنان، يستقبل، منذ سنوات، هجرة كثيرة العمل وكثيرة الاحترام للقانون وتقاليد الضيافة.
دائماً أفكر أن المكان الطبيعي للهجرة المصرية هو الجوار الأفريقي، ولا أعرف لماذا لم تتجه مصر إلى القارة السمراء. التعلل بالظروف الاقتصادية في القارة ذريعة لا تستقيم. فالوجود التجاري اللبناني هناك يجني الثروات، وكذلك الأوروبي. والآن، الصيني. ولكن الهجرة المصرية تتجه نحو أميركا الشمالية وأوروبا، في حين أن القواسم المشتركة مع معظم أفريقيا تفتح أبواب مستقبل وسيع للفريقين.
في الماضي، كان العائق السياسي يلحق الضرر بالمصريين في الخارج بسبب الطموحات السياسية، وهذا المنحى لم يعد قائماً لنا. وقد روى لنا الحسن الثاني مرة أن المغرب طلب عدداً كبيراً من المدرسين، فاكتشف بعد أشهر أنهم يعلِّمون أمجاد النظام المصري وأخطاء الملكية المغربية أكثر مما يعلِّمون التاريخ العربي، فكان أن وُضعوا على طائرات عادت بهم إلى بلادهم.
كل ذلك انتهى الآن. ومصر دولة تتطلع كلياً إلى الداخل من أجل إنقاذ نفسها من الآلام الاقتصادية التي أغرقها بها الشطط السياسي. وكان الأمير نايف بن عبد العزيز، رحمه الله، يروي لزائريه بمرارة شديدة كيف تصرّف المدرِّسون والموظفون المنتمون إلى «الإخوان» ضد أمن المملكة وهدوئها.
الكتلة القائمة طوعاً اليوم بين القاهرة والمجموعة الخليجية التي تشكل حلفاً عضوياً في محاربة الإرهاب والتآمر، ومخطط تفكيك الدول العربية الكاسر دون تراجع، تكتشف الفوائد الاجتماعية للتحالفات السياسية. وللمرة الأولى منذ خروجها، تعود مصر إلى كيانها العربي، من جميع الأبواب الطبيعية. وفي الماضي، انكفأ الرئيس حسني مبارك عن الرد على غطرسة الدوحة الفوقية، حرصاً على مصالح 18 ألف عامل مصري. بعد الآن، لن يُقتل المصريون في العراق وليبيا، ولن يُهانوا في قطر.