سمير عطا الله

أطلُّ عليهم من حين إلى آخر، أحياناً لمجرد شوق غامض. أحياناً لكي أتأكد أنهم لم يتغيروا كثيراً، أو لأنني تغيّرت. بمعنى نضجت. أحياناً لأن ليس لديَّ ما هو أفضل من صداقتهم القديمة. ورغم اختلاف أسمائهم ومراحلهم وعصورهم وطباعهم وأساليبهم ولغاتهم وبلداتهم، أناديهم جميعاً باسم واحد: مؤنس! هاك أنت، يا مؤنس، تفضل انزل. تفضل اقترب. هات اشغفنا. هات املأ حياتنا مما لديك. ماذا قلت؟ لا يا عزيزي. أنا من يقرر إن كنت سئمت منك أم لا. ألم تقرأ ماذا كتب على غلافك «الحقوق محفوظة»؟ هذه حقوقي قارئاً. أنت تدبر حماية حقوقك مؤلفاً. ثم ما هذه المزحات الباهتة؟ ألم تدرك بعد أنك من اللحظة التي شحنتَ فيها إلى العالم العربي، فقدت كل حقوقك؟ مثلي ومثلنا ومثلهم. أنا هم نحن.
السادة (والسيدات) مؤنس، هم رفاق العمر. يكبرون ونكبر ونتغير، لكنهم يجالدون (من جلدة أو غلاف) الزمن، وكأنهم قالوا كلمتهم ومضوا. لكن يا لذائذ ما تركوا. بكل بساطة سماها أبو حيان التوحيدي «الإمتاع والمؤانسة». جرِّب العثور على عنوان أفضل. «البيان والتبيين»، حاول عنواناً أكثر بلاغة وبياناً وتبييناً.
أنت، هناك، مؤنس. أجل أنت، على الرف الثالث. لا تجادلني أن اسمك وليم سارويان. أعرف ذلك جيداً. لكن لقبك في هذا البيت هو مؤنس. أو إذا شئت، مؤنسيان، كرامة لعصبيتك الأرمنية. ولكنني لا أنسى ما كتبته وأنت تبيع الصحف في كاليفورنيا قبل 80 عاماً، بأنك لست أرمنياً، ولا أميركياً، بل بائع صحف تضحك من الذين يشترونها. ما هذه الموهبة العظيمة يا وليم؟ ما هذه الروح التي لم يزحزح مرحها فقر ولا تشرد ولا قلق؟
إنها المؤنس الأرمني منذ أكثر من 50 عاماً وأنا أعود إليك. إمتاع ومؤانسة. لا أعرف كيف تترجم ذلك إلى الأرمنية. ليس مهماً. يمكن العثور عليك في لغات كثيرة: كلماتك الخاطفة. فقراتك المعقودة بقوة مثل ظهر فرس. لمحاتك المتلاحقة. فواصلك المفاجئة مثل أوامر قائد فرقة موسيقية. إنها المشرد الساخر الضاحك الذي صار أديب أميركا.
عندما أريد المفاخرة يا مؤنسيان، أقول إنني التقيتك يوماً في بيروت ضاحية الأرمن الشمالية، وإنني طرحت عليك الأسئلة عن بعض أبطالك المضحكين، فداعبتَ شاربيك الطويلين المرفوعين، وضحكت.