محمـد يونس

هل حقا نريد مواجهة حقيقية للعنف المتمسح بالدين في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟ 

الدلائل على أرض الواقع تقول غير ذلك لأنه لا يمكن إزالة العرض دون علاج المرض، والاثنان يتجسدان فى تناقض جوهرى نعيشه كل يوم بين جماعات تنتهج العنف باسم دين، السلام تحيته واسم ربه وختام صلواته، ودول تتغاضى عن أسباب أساسية تهيئالظروف لنمو العنف متغافلة عن حقائق العلم والواقع التى تقول إن أى ظاهرة إنسانية لها أبعاد اجتماعية ونفسية وسياسية واقتصادية وأمنية، ولكن يفضل البعض اختزالها فى بعد واحد إما جهلا او استسهالا! 

لا اعرف ما إذا كان علماؤنا الأجلاء فى تخصصات التاريخ والاجتماع والسياسة درسوا ظاهرة العنف المتمسح بالدين ليجيبوا عن أسئلة مشروعة من أبرزها: لماذا تتكرر هذه الظاهرة عبر التاريخ على الرغم من انها لم تخلف إلا الدماء والفتن والدمار؟وهل تم الرد على المقولات الأساسية التى يستندون عليها ؟واذا كان قد حدث ذلك فلماذا لم تصل الى الشباب المغرر بهم؟ ولماذا لم تلق مراجعات الجماعات الإسلامية التى أنكرت العنف وتابت عنه، الاهتمام اللائق بها؟ 

إن اتساع دائرة العنف المتمسح بالدين على امتداد خريطة عالمنا الإسلامى اليوم يحتم علينا أن نقف إزاء هذه الظاهرة وقفة مستقلة أمام أبواب العلم لدراستها بما تستحقه من عمق وتمحيص، بعيدا عن المعالجة الارتجالية. القضية اكبر وأثقل من تحميلها للحل الأمني، ففى ذلك ظلم لها ولرجال الأمن الذين لديهم مسئوليات عديدة، ولدينا تجربة فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى حيث أثمر الحوار الفكرى من جانب علماء الأزهر عن مراجعات لدى ذوى الفكر المتطرف، لا ندرى أين ذهبت هذه المراجعات وهل لاقت حقها من الاهتمام العلمى والمجتمعى وهل تم توظيفها لتوعية الشباب؟ 

العنف لم يكن تيارا عرضيا فى تاريخ الأمة بل استثناء.و المتخصصون فى الدراسات الإسلامية يعلمون ان المقولات التى استندت إليها الجماعات العنيفة ليست بأصيلة فى نصوص الإسلام، بل نتاج تصورات تاريخية منحرفة، كلها بدأت بعد اكتمال الرسالة وبخاصة منذ عصر الفتنة الكبرى، فمثلا الحاكمية والتحكيم التى ظهرت فى عصر الفتنة الكبرى أعيد انتاجها فى العصر الحديث وبخاصة بعد سقوط الخلافة العثمانية وأضيفت مقولات أخرى كاستعادة الخلافة وتجهيل المجتمع وتكفيره. وعلى الرغم من رد علماء الإسلام الأوائل على هذه المقولات فإنه يعاد انتاجها بأغلفة جديدة، وهنا نتساءل عن دور المؤسسات والأكاديميات الدينية فى مناقشة هذه الأفكار وتفنيدها ودور الأجهزة المعنية بالشباب فى توعية الأجيال بها.. الواقع يقول اننا بصدد أمية دينية كبيرة سمحت بالتضليل لدرجة أن يعتقد البعض أن قتل إنسان أيا كان دينه - عمل للتقرب الى الله . 

ولكن هناك عوامل أخرى يتم استخدامها لجذب الشباب للفكر المتطرف، وبخاصة توظيف الظلم والاحتلال التى تعرضت له بعض الشعوب الإسلامية المسلمين، كالفلسطينيين، والعراقيين وافغانستان. 

يضاف الى ذلك الصراعات حول «الهوية» بشتى أشكالها التى تعد الأكثر إراقة للدماء فى تاريخ البشرية، على حد قول د عمار على حسن فى ورقة بحثية له حول العنف والهوية، فضلا عن تأثير العولمة، فالمعلومات والقيم والأفكار والسلع التى تتدفق بلا هوادة بين الشمال والجنوب، وتوحش أنماط الاستهلاك واتساع رقعة الفقر والتهميش، تؤدى جميعا إلى فتح أبواب جديدة للعنف، فضلا عن إغواء الشباب، الذى يفتقر للثقافة الدينية السليمة، عبر الإنترنت. 

وهناك من يرى أن التحول الكبير الذى عرفته الدولة الإسلامية مع الفتوحات الكبرى، أحد أسباب ظهور الخوارج الذين لم يستطيعوا التكيف مع تلك التغيرات فاتجهوا إلى العنف المتمسح بالدين،يذهب الى ذلك د. كمال حبيب فى مؤلفاته ومقالاته منطلقا من أن تأويل الآيات القرآنية جاء تحت ضغط التحولات الاجتماعية والسياسية الكبرى بعد عصر عثمان بن عفان - رضى الله عنه - وأنتجت تلك الفرقة التى تعد المثال الذى احتذاه من جاء بعده من جماعات العنف،فالخوارج ، كانوا عبادا لكنهم كانوا جهلة ،وهم كما قال النبى صلى الله عليه وسلم عنهم «حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام» أى أنهم صغيرى السن لا تجارب لهم بالحياة أو العلم أو الواقع. فقد قاتلوا على بن أبى طالب ورفعوا فى وجهه «أن لا حكم إلالله ولم يدركوا أن هناك حاكمية للبشر، و رد عليهم ابن عباس، مستدلا بالقرآن الكريم عن ان هناك حاكمية للبشر كقوله تعالى «يحكم به ذوا عدل منكم» (المائدة : من الآية 95) هذه الأفكار يحييها ظهور حالات تحول حادة فى المجتمعات المسلمة ، كاحتلال فلسطين وأفغانستان والعراق. 

فضلا عن وجود واقع اجتماعي ضاغط فى بعض المجتمعات العربية والإسلامية، يتعلق بغياب العدل والحرية ، وتفشى البطالة، وانسداد الأفق السياسي، واستشراء الفساد. 

لا شىء يبرر العنف ولكن يجب فتح الآفاق على اسبابه لاجتزاز جذوره وسد الزرائع امام من يحاولون استغلال هذه الظروف للتغرير بالشباب واستخدامه كوقود لتنفيذ مخططاتهم.