راغدة درغام

عشية انعقاد قمة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية الأسبوع المقبل، تتموضع الديبلوماسيتان الأميركية والروسية ثنائياً وعلى صعيد إفرازات النزاعات الدولية على الإستراتيجيات والعلاقات مع دول محورية في مختلف المناطق وفي مقدمها الشرق الأوسط حيث تلتقي واشنطن وموسكو على هدف سحق تنظيم «داعش» وتختلف في تحالفاتها وأولوياتها الإقليمية.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يود أن يتأبط معه الى قمة العشرين لأهم دول العالم ما أنجزه في قمم الرياض حيث نجح في إطلاق نظام عالمي جديد ضد إرهاب المتطرفين الإسلاميين تقوده الولايات المتحدة بشراكة يكون فيها المسلمون في الخط الأول من جبهة التنفيذ. 

الأزمة الراهنة مع قطر تثقب ذلك الإنجاز في رأي إدارة ترامب. لذلك قررت الانخراط على مستوى وزير الخارجية ريكس تيلرسون في وساطة حازمة، أدواتها النفوذ، فيما وضعت السفير الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي - وهي برتبة وزير – النقاط على الحروف موضّحة أن أولوية الرئيس ترامب هي إستراتيجيته نحو الإرهاب وليس موقع القواعد العسكرية الأميركية في قطر.

هايلي أوضحت أيضاً أن الإنذار الذي وجهه البيت الأبيض الى الرئيس السوري بشار الأسد بأنه «هو وجيشه سيدفع ثمناً فادحاً» إذا نفذ هجوماً آخر بالأسلحة الكيماوية كان أيضاً رسالة الى «روسيا وإيران اللتين تدعمانه لقتل شعبه». 

روسيا احتفظت بحق الرد وأكدت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف أنها سترد بخطوات مناسبة إذا اتخذت واشنطن إجراءات استباقية في ما سماه «ذريعة لعمليات استفزازية». هذا لا يعني أن الولايات المتحدة وروسيا على وشك الاشتباك في سورية، لا سيما أن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس اعتبر أن دمشق استجابت لتحذير واشنطن من أي هجوم جديد بالأسلحة الكيماوية. 

ثم إن روسيا لا تستطيع أن تبدو كمن يبارك قيام النظام في دمشق بهجوم كيماوي قبيل قمة العشرين في هامبورغ حيث تود الديبلوماسية الروسية أن تعقد قمة مع الديبلوماسية الأميركية تشكل نقلة في العلاقات بينهما. مثل هذه النقلة صعبة في ظل التحقيقات الفيديرالية في الاتهامات بتدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأميركية وافتراضات تواطؤ حملة دونالد ترامب مع اقتحام روسيا العملية الديموقراطية الانتخابية. 

لكن دونالد ترامب ونظيره فلاديمير بوتين يريدان بشدة أن تتاح فرصة للقاء ألا يكون عابراً وسطحياً وإنما قمة جدية تتناول مختلف القضايا ذات الأهمية، ثنائياً وفي النزاعات الدولية والتحالفات الإقليمية. إيران ستكون في طليعة أولويات الحديث الأميركي - الروسي سواء على صعيد القمة أو على صعيد الوزراء والخبراء لأن مصير إيران ومشتقاتها وميليشياتها العاملة في سورية بصورة خاصة يشكّل النقطة الحاسمة في الصفقات أو المواجهات. 

طهران تدرك هذا ولذلك تتموضع استعداداً للاحتمالين، وهي تفعل ذلك بتوزيع للأدوار بما في ذلك عبر مواقف «حزب الله» التصعيدية في لبنان وعبر تحدي «الحشد الشعبي» لحكومة حيدر العبادي في العراق في معارك السيطرة على الحدود مع سورية.

كذلك تقع تركيا في دائرة المقايضات والتفاهمات والاختلافات في الساحتين السورية والعراقية كما في امتداداتها داخل قطر وتموضعها الإقليمي الداعم دوماً لامتداد جماعة «الإخوان المسلمين» التي تفكّر واشنطن في تصنيفها «إرهابية» الأمر الذي قد لا يزعج موسكو التي لطالما حذرت من تبني الرئيس السابق باراك أوباما مشروع «الإخوان المسلمين» تحت شعار الديموقراطية وباسم «الربيع العربي». فمساحات اللقاء مُتاحة أميركياً وروسياً إذا ما تحررت من قيود التحقيقات لكن الصفقات الكبرى ستبقى مكبّلة بالتحقيقات حتى إشعار آخر.

الأزمة القطرية فتحت ملفات عدة من ضمنها وضع «الإخوان المسلمين» كمشروع يتبناه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتُتهم قطر بتنفيذه في مصر وسورية ودول خليجية. 

إدارة ترامب بنت علاقات مميزة مع دول محورية مثل مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وهي الدول التي تقود مقاطعة قطر من جهة، وتشكّل من جهة أخرى الأرضية الضرورية للجبهة التي أنشأتها قمم الرياض البالغة الأهمية للرئاسة الأميركية. ما أوضحته نيكي هايلي هو ذلك الأساس في ذهن دونالد ترامب الذي لن يتخلى عنه حتى ولو كلّفه ذلك الاستغناء عن القاعدة العسكرية في قطر. والأساس هو ما يعتبره دونالد ترامب إنجازه الإستراتيجي في قمم الرياض وسيحمله معه الى قمة هامبورغ.

واشنطن لا تتبنى كامل المطالب الخليجية من قطر لكنها تتفق مع أسس مهمة في هذه المطالب بالذات ما يتعلق بإيران وما له علاقة بمحاربة الإرهاب. دخلت إدارة ترامب حلبة الوساطة بعدما نأت بنفسها عنها وذلك عندما أدركت أن الوساطة الكويتية تتطلب قفزة أميركية وأن المصالح الأميركية في صميم التطورات الخليجية. بعد لقاء تيلرسون بوزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل خليفة هذا الأسبوع، بدا واضحاً أن الدوحة جاهزة للحوار والتفاوض على المطالب بعما كانت تجاهلتها وصعّدت عبر البوابة التركية والإيرانية بأدوات مختلفة. 

ولدى سماع تصريحات نيكي هايلي، فهمت الدوحة ما يدور في ذهن الرئاسة الأميركية وما هي أولوياتها. المهم، إن إدارة ترامب قررت الانخراط سعياً وراء حل للأزمة بالذات قبل أن يتوجه دونالد ترامب للقاء قادة الدول العشرين، ومن ضمنهم فلاديمير بوتين، كي لا يحمل إليها جرة ماء مثقوبة في ما يخص جبهة النظام العالمي الجديد ضد الإرهاب.

إنذار إدارة ترامب للنظام في دمشق بأن عواقب مريرة ستترتب على أي استخدام للسلاح الكيماوي يأتي أيضاً في إطار الصورة التي يريدها البيت الأبيض للرئيس ترامب في قمة العشرين - صورة القيادة الحازمة والجريئة التي لا تتردد، عكس الصورة التي رافقت سلفه باراك أوباما. 

دونالد ترامب يريد أن يبلّغ كل من يعنيه الأمر أن الفارق كبير بين الرجل الذي يسكن البيت الأبيض اليوم وبين ذلك الرجل الذي مكث فيه ثماني سنوات. يريد أن يحمل الى قمة هامبورغ ما فحواه أن مبدأ القيادة من الخلف ولّى، وأن دفن الرؤوس في الرمال إزاء ارتكاب فظائع مثل استخدام الأسلحة الكيماوية وارتكاب المجازر في سورية مضى، وأن تكبيل أيادي واشنطن إزاء تجاوزات إيران وميليشياتها في سورية والعراق باسم الحفاظ على الاتفاق النووي كان سياسة أوباما ولن يكون سياسة ترامب. دونالد ترامب يريد أن تكون قمة العشرين فرصة لتحريره من عبء الملاحقات والاتهامات والحملات داخل الساحة الأميركية ليثبت أن في وسعه القيادة على رغم هذه المطاردة.

لن يكون ذلك سهلاً لأن العالم يعي تماماً ماذا يجري داخل أميركا ومدى الانقسامات الخطيرة في الساحة الأميركية. لكن القيادات العالمية التي توجّهت الى واشنطن للقاء ترامب أو تلك التي التقاها في الخارج تصرفت نحوه باحترام لموقع الرئاسة الأميركية وبرغبة في بناء علاقات دائمة مع الولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي، معظم الذين سيلتقونه في قمة هامبورغ سيكونون أصدقاء دونالد ترامب.

فلاديمير بوتين يود أن يكون ضمن الأصدقاء والديبلوماسية الروسية تتمنى لو يكون في الإمكان التوصل الى الصفقة الكبرى التي تريدها. المعضلة أن روسيا هي المعضلة في مسيرة الديبلوماسية الأميركية. لذلك إن البيت الأبيض منقسم على نفسه لجهة تحديد نوعية اللقاء بين ترامب وبوتين لأن تداعيات اللقاء بالغة الدقة والخطورة على الرئاسة الأميركية، ولأن دونالد ترامب ليس رئيساً يلتزم النظام وإنما يغرّد خارج سرب إدارته أحياناً ويأتي على نفسه بمشاكل يصعب احتواؤها.

إنما حتى ولو وقع الخيار على قمة تتعمد ألاّ تكون دافئة أو عميقة أو ذات تفاهمات مسبقة، فإن أركان الإدارة قادرون على التفاوض مع أركان حكومة بوتين في حال توصّلت إدارة ترامب الى سياسة متكاملة واضحة المعالم في شتى الملفات. حتى الآن، تبدو إدارة ترامب في تبعثر أحياناً، وتبدو في حين آخر عازمة وفاعلة تنفّذ ميدانياً بالذات في الحرب على «داعش»، إنما من دون خطة واضحة لما بعد.

الحديث الأميركي - الروسي الضروري قد لا يختمر مع وصول دونالد ترامب وفلاديمير بوتين الى قمة العشرين. البدء به بات حاجة ملحة ليس فقط للمصلحة القومية الأميركية والروسية وإنما أيضاً لانعكاساته على مصير النزاعات الإقليمية.