عبارة 'اتهام المغرب بالاستيلاء على اللباس التقليدي الجزائري' التي تقحمها الكاتبة أحلام مستغانمي في تصريحاتها تقدم صورة سلبية لدور المثقف السلطوي النرجسي عندنا وتكشف عن شوفينية وطنية زائدة عن اللزوم.

 أزراج عمر 

في تغطيتها للحملة الثانية التي قام بها بعض الفنانين والرياضيين الجزائريين مؤخرا احتفالا بيوم العيد المبارك، ذكرت الإعلامية الجزائرية زهية منصر أنه قد “سبق وأن نشرت أحلام مستغانمي تغريدة لها على تويتر تتهم فيها المغرب بالسعي المنظم للاستيلاء على اللباس التقليدي الجزائري، ونسبته إلى التراث المغربي، وقد تفاعل عدد كبير من الجزائريين مع مبادرة مستغانمي ولقيت استحسانا حتى من طرف وزارة الثقافة، وتبنّاها الوزير شخصيا، حيث كشف ميهوبي في وقت سابق أن الوزارة ستنظم عروضا للأزياء التقليدية الجزائرية في الخليج لمصممين محترفين بهدف التعريف بالتراث الجزائري”.

وهنا نتساءل: هل جاء الآن دور الكتاب الجزائريين للانسياق وراء النظام السياسي الجزائري لنصب حدود فولاذية لمنع اللباس التقليدي من اجتياز الحدود الجزائرية، لينتشر في المنطقة؟ وهل يعني تبني هذه الدولة الجارة أو تلك لمعلم ثقافي من إبداع جارتها جريمة ثقافية في الوقت الذي يدعو فيه كبار المثقفين في العالم إلى تشجيع ظاهرة التناص الثقافي والفني وتعميق الهجنة الثقافية الفنية؟ وهل يصح أن يشهر هذا الكاتب أو ذاك الناقد الفني سيفه ضد الفنان العالمي بيكاسو بسبب توظيفه للتراث الأفريقي في بناء معماره التشكيلي؟

لاشك أن الحديث عن خصوصية الزي أو أطباق الأكل أو طبوع الموسيقى والغناء يدخل في سياق تحليل خصوصية الهوية الثقافية ولكنه سرعان ما يتجاوز هذا الحد المعقول إلى شوفينية ثقافية عندما يختلط حابل الثقافة بنابل السياسة العازلة

نتساءل أيضا هل سنقدم للمحكمة الدولية بلاهاي كل الروائيين العرب الذين تبنوا جنس الرواية باعتباره ثمرة المجتمع الصناعي في أوروبا؟ وهل يعقل أن يطالب رعاة الثقافة اليونانية وأدباء اليونان الشعراء العرب الحداثيين بسلخ كل الإشارات إلى الأساطير اليونانية الواردة في الشعر العربي الحديث بحجة أنها ملكية خاصة بالثقافة الإغريقية؟

وإذا كان الأمر كذلك فإن فرنسا ستحتج أيضا ضد طه حسين وستتهمه بالاستيلاء على المنهج الديكارتي في كتابه حول الشعر الجاهلي، وألمانيا ستدعو الدكتور بدوي لإعادة الأفكار الوجودية التي تحفل بها أطروحته ومعظم كتاباته الفلسفية والتي دشنها مسبقا مواطنها الفيلسوف مارتن هيدغر.

ثم نتساءل هنا ما الداعي إلى الإدعاء بأن هذا الزي هو ملك أصيل لهذا البلد أو ذاك في الوقت الذي نعرف مثلا أن الكثير من الأزياء التي تسمى بأزياء جزائرية هي في الأصل أزياء تركية عثمانية، وأن أخرى قد شكلتها التأثيرات الفينيقية والفرنسية وهلم جرا.

لا شك أن الحديث عن خصوصية الزي أو أطباق الأكل أو طبوع الموسيقى والغناء يدخل في سياق تحليل خصوصية الهوية الثقافية ولكنه سرعان ما يتجاوز هذا الحد المعقول إلى شوفينية ثقافية عندما يختلط حابل الثقافة بنابل السياسة العازلة.

إن عبارة “اتهام المغرب بالاستيلاء على اللباس التقليدي الجزائري” التي تقحمها الكاتبة أحلام مستغانمي في تصريحاتها تقدم صورة سلبية لدور المثقف السلطوي النرجسي عندنا وتكشف عن شوفينية وطنية زائدة عن اللزوم. إن هذا السلوك يبرز تحوّل بعض الكتاب في بلداننا إلى أبواق للأنظمة السياسية وإلى شرطة حدود يمعنون في إقفالها بالمسامير الفولاذية.

كاتب جزائري

أزراج عمر