عبدالله جمعة الحاج

من النتائج المهمة التي تمخضت عنها الممارسات القطرية الخاطئة تجاه أشقائها في الخليج العربي وفي العالم العربي أن إيران حققت جزءاً مهماً من استراتيجيتها العظمى في المنطقة، وهي شق الصف الخليجي بشكل خاص والعربي بشكل عام. ومن المعلوم بشكل قاطع أن إيران تقف دائماً ضد أي نظام عربي إقليمي سواء كان جماعياً أو فرعياً، وهناك أسباب إيرانية متعددة تخصها وحدها أهمها أن الشرعية السياسية للنظم الإقليمية العربية تقوم وتتأسس حول قضايا عربية خالصة تخص دول العالم العربي وشعوبها مرتبطة بالتكامل والتعاون العربي على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية والاجتماعية.

لذلك فإن إيران ثبت وحتى الآن بأنها تحاربها حروباً شعواء سراً وعلانية وتقوم بإجهاضها الواحدة منها تلو الأخرى، فطروحات من هذا النمط تتعارض جملة وتفصيلاً مع الطموحات والنوايا التوسعية الإيرانية في الخليج والعالم العربي المرتكزة على الإيديولوجيا الثيوقراطية، وبدون شك فإن هذا الطرح الثيوقراطي-الشيعي يمثل تحدياً لشرعية النظم السياسية والاجتماعية العربية عامة ونظم دول مجلس التعاون الخليجي خاصة- ومنها النظام القطري ذاته- صاحبة الأغلبية السُنية. وفي ظل تفكك الوحدات التنظيمية للنظام العربي الإقليمي الجماعي كالجامعة العربية ومنظماتها الفرعية الإقليمية، وانهيار النظام العربي القديم، ولم يبق حتى الآن سوى مجلس التعاون الخليجي كمنظمة إقليمية فرعية فاعلة، أصبحت إيران تنظر إلى الوضع الجديد على أنه فرصة مواتية ذات شقين:

الأول، هو تحقيق مصالح إيرانية قومية متقدمة ومدخلاً مناسباً لدور إقليمي أكثر فاعلية، والثاني، هو تفكيك مجلس التعاون الخليجي الذي أخذ يبرز في الآونة الأخيرة كقوة مؤثرة تقف أمام الطموحات التوسعية الإيرانية وتهزمها، خاصة على ضوء ما يحدث في اليمن من خلال عملية «عاصفة الحزم وإعادة الأمل».

ووفقاً لهذا الطرح فإن إيران مستبعدة تماماً كطرف من أطراف المعادلة ذات الأبعاد السياسية والاستراتيجية والعسكرية والأمنية والاقتصادية في الخليج العربي والجزيرة العربية أولاً، ثم في العالم العربي، يعني بأن إيران حالياً، وبعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة، والمعروف بميوله السلبية الحادة تجاه إيران، أصبحت طرفاً من أطراف المنطقة الذي ليس له أي دور يذكر وليس له ميزة على الآخرين كما تدعي لنفسها. لذلك فإن إيران ترى في ما يحدث من دول مجلس التعاون الخليجي حالياً بأنه تحديات جدية لأطروحاتها الراديكالية في المنطقة، وسيؤثر حتماً على وضعها كدولة تعتقد عن نفسها بأنها ذات ثقل ووزن سياسي وعسكري في المنطقة وذلك في حالة سير دول مجلس التعاون مجتمعة في تعزيز قوتها ووزنها على هذه الصعد، فعليها إذاً، أي إيران شق صفوف دول هذا المجلس من الداخل، فبدأت بقطر التي وجدت لديها آذان صاغية منذ الإطاحة بأميرها الأسبق، جد الأمير الحالي. آذان صاغية من قبل من يملكون زمام الأمور في قطر ويديرون دفة توجهاتها الخارجية غير المتزنة لإيران والتي أدت إلى شق صف دول مجلس التعاون الخليجي، بدأت مع منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولا تزال مستمرة إلى هذه اللحظة، خاصة بعد صور التعنت والمكابرة التي أبدوها، مروراً بالمماطلات التي أبديت من قبلهم أمام مبادرة وساطة أمير الكويت، وانتهاء بما يدور حالياً حول المطالب الثلاثة عشر التي قدمت لهم، ولا شك بأن إيران سعيدة بكل ذلك أيما سعادة، فقد نجحت بمساعدة قطر في شق الصفوف. ولكن السؤال هو هل ستكتفي إيران بما حققته حتى الآن؟ وبالتأكيد أن الإجابة القاطعة على ذلك هي لا، فرغم غياب تصورات إيرانية محددة لنظام أمني راسخ للخليج العربي بعيداً عن ما تتصوره لنفسها من هيمنة وتوسع على حساب دول مجلس التعاون في أراضيها وخيراتها، ستعمل على المزيد من الفرقة والتفتيت لهذه الدول.