عبدالله خليفة الشايجي

أنهيت مقالي للأسبوع الماضي، «ولادة صعبة لنظام عربي جديد!»، هنا على صفحات «الاتحاد»، مؤكداً أن تنظيم «داعش» يلفظ أنفاسه الأخيرة في الموصل، وخاصة بعد اقتحام القوات العراقية المدينة القديمة. فمعركة «قادمون يا نينوى»، التي تقترب من نهايتها بين الجيش النظامي بدعم التحالف الدولي وتنظيم «داعش»، خلّفت آلاف القتلى ونحو مليون لاجئ، وهي كلفة إنسانية باهظة. لكن التطورات تقترب من إعادة رسم خريطة سايكس بيكو التي هددها «داعش» قبل 3 سنوات، عندما جرّف الحدود العراقية السورية، وأعلن قيام دولته الموهومة.

وبالمقابل، وتزامناً مع معركة تحرير الموصل في العراق، تجري معركة طاحنة تخوضها قوات حماية الشعب الكردي، وهي قوات مدعومة أميركياً وبتنسيق مع روسيا وإيران ومعارضة تركيا، لمحاصرة «داعش» وقطع الطريق عليه في الرقة، عاصمته ومركز ثقله في سوريا، والتي انطلق منها قبل 3 سنوات للسيطرة على الموصل.

وضمن ديناميكية التغيير هذه، نتحدث اليوم عن نظام عربي مأزوم تتغير فيه التحالفات رأساً على عقب، عالم ما بعد «داعش»، عالم يلعب فيه الفاعلون من المليشيات والتنظيمات وحروب الوكالة الطائفية.. دوراً لتشكيل نظام إقليمي جديد!

بعد أقل من ثلاث سنوات من خطبة الجمعة اليتيمة في جامع النوري الشهير في الموصل القديمة، حين أعلن البغدادي قيام دولته، ها هو «داعش» في ساعاته الأخيرة يفجر ذلك الجامع، مما يسقط التنظيم استراتيجياً ورمزياً، دون أن يعني نهاية مميتة له بالضربة القاضية.

تركزت جهود محاربة الإرهاب التي بدأها الرئيس بوش الابن في أكتوبر 2001، بعد اعتداءات «القاعدة» في 11 سبتمبر 2001، تركزت على محاربة «القاعدة» ونظام «طالبان» في أفغانستان ثم نظام «البعث» في العراق، وتبعت ذلك حرب ضد «داعش» في سوريا والعراق وأفغانستان، وحركة «الشباب» في الصومال، و«القاعدة» في اليمن مجدداً.

تركزت الحرب على «داعش»، وخاصة بعد إعلان الخلافة المزعومة وخروج البغدادي من سجن بوكا في أم قصر. وقد شكلت إدارة أوباما تحالفاً دولياً من 61 دولة بقيادة الولايات المتحدة، في أكبر حشد عرفه التاريخ لأقوى دول العالم، تقاتل تنظيماً وليس دولة. وانضمت إيران لاحقاً إلى الحرب، ومعها حلفاؤها من مليشيات، كما عادت روسيا من باب سوريا لتقاتل الإرهاب وعلى رأسه «داعش» دون غيره من التنظيمات الإرهابية الكثيرة.

وخلال الأعوام الثلاث الماضية، منذ انطلاق الحرب على «داعش»، والذي تحول إلى أخطر تهديد للأمن الوطني الأميركي، واتهام أوباما بأن سياساته وتردده في دعم المعارضة السورية كان السبب في صعود «داعش» التي يرى كثيرون أنها نتاج عمل استخبارات إقليمية ودولية، لتشتيت جهود وقدرات الدول المستهدفة.

كانت لافتةً مسارعة حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، وحتى قبل تحرير الموصل كاملاً، إعلان نهاية «داعش» في العراق، وهو الذي كان يؤكد بثقة هزيمة التنظيم بنهاية عام 2016.

لا شك أن «داعش» مُني بخسارة استراتيجية ورمزية؛ فقد خسر الموصل، أهم وكبر معاقله في العراق، لكنه لا يزال موجوداً في الأنبار وتلعفر والحويجة وعانة وراوة، وهو يهدد كركوك. والأخطر من ذلك كله، هو فكر التنظيم المتطرف وقدرته على تجنيد الأتباع المغرر بهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي وتشكيل الخلايا النائمة! كما لا يزال في سوريا، وإن فقد زخمه وقوته وتمددّه. لذلك فقد تحول لشن عمليات انتقامية محدودة التأثير؛ فيصدم المارة بالسيارات ويطعنهم بالسكاكين في شوارع لندن ونيس وبرلين وباريس.

لكن السؤال الاستراتيجي: ما هي الأبعاد والتداعيات الاستراتيجية لهزيمة ⁧«داعش»⁩ في العراق وسوريا؟ وما هو دور ⁧إيران وأذرعها من الدول والمليشيات مستقبلاً، وخاصة «⁧الحشد الشعبي»⁩ الذي تشكل بفتوى من السيستاني؟ وأين سيتجه «الحشد» بعد الموصل؟!

لا شك أن الحرب على الإرهاب واستخدام «داعش» دون غيره، وتقديم دول خدماتها، بما في ذلك الدول المخاصمة لأميركا وحلفائها، مثل إيران وأذرعها والنظام السوري، وحتى روسيا التي استخدمت الحرب على «داعش» لتبرير دورها.. كل ذلك سيتغير إذا ما تراجع دور ونفوذ التنظيم الإرهابي.

ولعل السؤال الأجدر بالنظر حالياً، عقب انتصار الرئيس ترامب الذي وضع مواجهة «داعش» أولوية له في الشرق الأوسط، هو: ما هي الاستراتيجية الأميركية لمواجهة «داعش» في المنطقة؟ إنه موضوع مقال قادم.