حسين شبكشي 

أراقب بأسى واستغراب ودهشة ردود الفعل من بعض العرب و«تأييدهم» لنظام الانقلاب في قطر واعتبارها أنها دولة «مظلومة» ويجري معاقبتها لأنها «تنصر الحق» بحسب ما يقولون.
هذا المشهد المؤسف يعاد مرة أخرى؛ فالذاكرة العربية لا تزال حية بالكثير من النماذج التي رفعت شعارات وهيجت مشاعر الشارع العربي تارة بالصحف وتارة بالإذاعات وتارة بالخطابات الرنانة تعد الناس بتحرير فلسطين ودحر الطغاة. واليوم يتبع نظام الانقلاب في قطر نفس الفكر ولكن باستخدام محطة فضائية إخبارية، ليس مهماً إذا كان ما يبث من خلالها سليماً ودقيقاً ولكنه يؤدي الغرض المطلوب منها وهو تحييد الشارع لصالح نظام الانقلاب في قطر والتعاطف معه؛ فالمحطة الإخبارية «الجزيرة» تحولت مع الوقت إلى أهم أدوات نظام الانقلاب في قطر، فهي كما يطلق عليها في الغرب المحطة التي صنعت الدولة في إشارة إلى تأثيرها. واليوم «يتعاطف» بعض الأقلام في الغرب مع المحطة في ظل الطلب الواضح والصريح بضرورة إغلاقها، بدعوى أن ذلك مخالف لحرية الرأي وحرية الإعلام... طبعاً هذا التحفظ الغربي سليم ودقيق في ظاهره إذا ما كانت المحطة تبث من السويد أو كندا وبرعاية حزب العمال ولكنها تبث من دولة لا علاقة لها بالحريات ولا بحقوق الإنسان ولا بالديمقراطية مما يجعل الريبة والشك والخوف والقلق من أهداف المحطة ومن يقف وراءها، وخصوصاً أنه تبين لاحقاً أنها لم تكن سوى أداة لمشروع نظام الانقلاب في قطر الخبيث لنشر الفتن وتمزيق المنطقة إلى دويلات مشتعلة.
أسترجع واقعتين حدثتا معي أنا شخصياً وأتذكرهما وسط الأحداث المتسارعة لأن لهما موقعهما لفهم ما يحدث وما حدث؛ تلقيت مكالمة تدعوني للمشاركة في الحلقة الأولى من حوارات الدوحة، وهي عبارة عن سجالات يديرها الإعلامي البريطاني الكبير تيم سباستيان وتشرف عليها الشيخة موزة حرم أمير قطر آنذاك، وكان عنوان الحوار الأول «الحكومات العربية... هل هي سبب تعطيل الإصلاح؟»، ويجري بعد ذلك التصويت من قبل الطلبة والحضور. وطلب مني الدفاع عن الحكومات العربية، وطلب من الناشط السياسي المصري سعد الدين إبراهيم مهاجمة الحكومات العربية وطبعاً فاز موقف سعد الدين إبراهيم لأنه سبق سجنه واستخدم وضعه الخاص لكسب تعاطف الحضور. قابلنا بعد انتهاء الحوار الشيخة موزة وتبادلنا أطراف الحديث ثم تفاجأت بعبارة قالتها إننا نسعى من برامج كهذه إلى تغيير كامل في العالم العربي، جملة كبيرة جداً وبدت لي أنها عبارة طموحة، ولكن مع مرور الوقت تم ربط الأحداث واتضح بالتالي معنى الجملة.
الواقعة الثانية دعيت من قبل أحد مراكز صناعة القرار والذي له فرع في الدوحة للمشاركة في ورشة عمل مع وزارة الخارجية اليابانية لمعرفة أبعاد ما يحصل في المنطقة والآثار المتوقعة من ظاهرة الربيع العربي والذي كان قد انطلق، وبعد انقضاء ورشة العمل طلب مني المشاركة (بعد أن أعلنوا اسمي!) في ندوة عن دور الإخوان المسلمين في الربيع العربي وفوجئت بقاعة مكتظة من مجاميع محسوبة بالكامل على تنظيم الإخوان المسلمين، كما اتضح من أسئلتهم ومن مداخلاتهم بعد تعليقاتي التي أبديت فيها تحفظاً هائلاً على نهج الحركة ومشروعها المدمر والذي يثبته تاريخها الدموي والمريب. وبعد انقضاء المحاضرة فوجئت بفتاة مصرية شابة تهمس لي وتقول: «أرجوك تكلم... إنهم يجبروننا على الظهور كمصريين بأننا جميعاً مؤيدون للإخوان هنا في قطر والمسألة ليست كذلك أبداً».
قطر لديها مشروع خبيث على الشرفاء والحكماء عمل كل ما يلزم لإيقافه ومن لديه لوثة التأييد لها فليهنأ بها.