زياد الدريس

التقيت الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لأول مرة عام ٢٠٠٥، في منزل الوزير الراحل محمد بن أحمد الرشيد، يرحمه الله، وكان الأمير في مطلع العشرينيات من عمره في معية والده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله.

كان واضحاً عليه على رغم حداثة سنه حينذاك، التحفز والديناميكية التي كان يبديها في التعليقات على الأحاديث التي كانت تدور حول مائدة الطعام متجاوباً مع أسئلة والده.

بعد ذلك التقيت الأمير الشاب ثلاثة لقاءات رسمية داخل مقر منظمة اليونيسكو حين كنت ممثلاً للمملكة العربية السعودية لدى المنظمة. عام ٢٠٠٧ وعام ٢٠١٤ ثم عام ٢٠١٦ عندما قام الأمير بزيارة خاصة لمنظمة اليونيسكو التقى خلالها مديرة وكبار مسؤولي المنظمة، وقد أكد الأمير في ذلك اللقاء اهتمام المملكة العربية السعودية بتمتين العلاقة مع اليونسكو، وأشار إلى أن من أنصع الأدلة على قناعة المملكة بأهمية المنظمة هو وضعها أحد الأهداف الأساسية في رؤية السعودية ٢٠٣٠، الوصول إلى هدف (رفع عدد المواقع السعودية المسجلة في لائحة التراث العالمي باليونيسكو إلى الضعف على الأقل).

فيما بين اللقاء الأول عام ٢٠٠٥ واللقاء عام ٢٠١٦ كانت هناك تحولات كبيرة جداً في شخصية الأمير الشاب. تحولات أكبر بكثير من عدد السنوات التي مضت بين هذين اللقاءين.

منذ أن استلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز دفة الحكم في مطلع عام ٢٠١٥ قام الأمير محمد بن سلمان باستلام العديد من الملفات المعقدة، التنموية والسياسية، وقد تعامل معها بعلوّ همّة فريدة وشجاعة استثنائية، حتى أتمّ بعد ذلك صياغة تلك الرؤى والطموحات وبلورتها في شكل شامل في مشروع (الرؤية السعودية ٢٠٣٠) التي تروم نقل المملكة العربية السعودية إلى مرحلة نوعية متقدمة تواكب التحولات العالمية وتنسجم مع التوجهات الشبابية التي تسود العالم الآن، من دون التنازل عن الأسس التي قامت عليها الدولة السعودية في أول نشأتها منذ ثلاثة قرون. الأسس الحقيقية، لا الأسس الوهمية العائقة عن التحديث والتعددية.

لطالما كتب المتخصصون والمحللون عن أهمية تمكين القيادات الشابة من قيادة وتحريك المنطقة التي يشكّل فيها الشباب ثلاثة أرباع السكان. والآن، مع الثورة المعلوماتية الجديدة، أصبح هذه الثلاثة أرباع عدداً يمثّل تسعة أعشار الميزان التحكّمي في مجريات الحياة اليومية.

صعود الأمير الشاب محمد بن سلمان يمثّل تحقيقاً لتلك الأمنية القديمة، وتطلّعاً لمرحلة ديناميكية تقتحمها المملكة والمنطقة في تنافسية هذا العالم (الجديد جداً).

سيواجه ولي العهد الجديد تحديات قديمة، أشد صعوبةً من التحديات الجديدة التي استبق الوصول إليها قبل أن تصله، بحكم خصوصيته الشبابية وتفاعله الفذ، أعانه الله وسدّده.

سيكون طاقم المستشارين المخضرم والفتيّ، المتنوع التخصصات والاتجاهات، الذي بدأ ولي العهد الشجاع فعلياً تكوينه فور تنصيبه، ميسِّراً لمواجهة التحديات القديمة، ولتسريع تخطّي التحديات الجديدة، بغية (التحوّل) إلى دولة إسلامية عروبية أصيلة، لكن متطلّعة للعصرنة والتجديد. دولة عريقة- حديثة، ينوب في قيادتها شابٌ عمره ثلاثة عقود.