محمد السلمي

البعض ما زال يرى إيران عدوّا مستمرا، بسبب دعمها النظام السياسي السوري، وتهديدها الجيوبوليتيكي، وأنها مهدِّدة للمصالح الأوروبية في الشرق الأوسط، مما يشير إلى وجود خلط وربما مثالية غير واقعيةفي نهاية الأسبوع الماضي، اجتمع في العاصمة الفرنسية باريس، في ندوة نظمها أحد مراكز الدراسات، عدد كبير من المسؤولين السابقين والباحثين الغربيين وغير الغربيين، من أميركا وكندا وعدد من الدول الأوروبية والعربية، يبحثون مستقبل نظام ولاية الفقيه في إيران، في ظلّ ما تشهده الساحات الداخلية الإقليمية والدولية من تطوّرات، وذلك في ندوة نوعية عنوانها «إلى أين تتجه إيران؟»، قُبَيل عقد مؤتمر منظمة «مجاهدي خلق» الذي حضره آلاف من مناصري المعارضة الإيرانية السبت.
وكنت أحد المشاركين في هذا المؤتمر، بصفتي مختصا بالشأن الإيراني، ورئيسا لمركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، وسأحاول في هذا المقال أن أنقل للقارئ العربي أهمّ النقاط التي ناقشها الباحثون الغربيون في المؤتمر.
يرى بعض الباحثين أن الذاكرة الأوروبية ضعيفة عند الحديث عمّا فعلته إيران في دول أوروبا، خلال حقبة الثمانينات والتسعينات، إذ قُتل كثير من الأميركيين والأوروبيين، الفرنسيين خصوصا، وممارساتها كثيرا من الأعمال العدائية ضد دولهم وشعوبهم. 
ويعتقد باحث فرنسي آخر، أن كثيرا من الحكومات الأوروبية لا يُعَوَّل عليها، لأنها مرتبطة بمعاهدات اقتصادية مع إيران، لذلك فإن التعويل الأساسي على أميركا، خاصة في هذه المرحلة، مشيرا إلى أن وصول ترمب إلى الرئاسة هو ما سيغير شكل العلاقة مع إيران.
ويرى آخرون أن الاتفاق النووي مع إيران لم يغيِّر السلوك الإيراني، وأن النقاط المصاحبة للاتفاق لم تنفذها إيران، بل على العكس زاد معه دعم إيران للإرهاب وللنظام السوري، وأن المفاوضات الأوروبية مع إيران خفّفت نظرة أوروبا العدائية تجاهها، حتى أصبحت تنظر إلى ما تفعله إيران على أنه غير مهدد لأوروبا.
من جانب آخر، يعتقد بعض المشاركين أن النظام الإيراني على رأس المهددات، لأنه طوّر السلاح النووي، وخلق مأساة سورية، ومن ثَم فلن يكون سلام إلا بتغييره، موضحا أن إيران هي «البنك المركزي للإرهاب الدولي» كما قال ترمب.
وأشار بعض الباحثين إلى أن في فرنسا مَن يعتقد أن إيران تخلت عن تطوير برنامجها النووي محاوِلةً الاندماج مع أوروبا، والتبادل التجاري معها، مما سينعكس على الاقتصاد الأوروبي.
- لكن البعض ما زال يرى إيران عدوّا مستمرا، بسبب دعمها النظام السياسي السوري، وتهديدها الجيوبوليتيكي، ويرى أن إيران مهدِّدة للمصالح الأوروبية في الشرق الأوسط، مما يشير إلى وجود خلط وربما مثالية غير واقعية عند الحديث عن إيران.
ويعتقد بعض الباحثين أن إيران هي مخزن أسلحة الإرهابيين في الشرق الأوسط، وأن الإرهابيين أدوات لتحقيق أهدافها، ويرى هؤلاء أن إيران تطور سلاحها النووي، لا لتهديد جيرانها فحسب، بل لتهديد العالم كله، لأن مدى الصواريخ يصل إلى كثير من دول العالم.
هناك شبه إجماع بين الباحثين المشاركين على فكرة أن الأفضل هو سياسة احتواء إيران، مع مساعدة الداخل والمعارضة الإيرانية، لا تغيير النظام بالقوة العسكرية كما، حدث مع الاتحاد السوفييتي.
وأشار باحثون آخرون إلى أن سلوك الميليشيات الشيعية بنفس خطورة القاعدة و»داعش»، فأفضل صديق لبشار هو «داعش»، فهما وجهان لعملة واحدة، موضحين أن إيران لم تُظهِر السلوك السلمي بالتخلي عن سلاحها النووي، وأن العقوبات لن تزعزع إيران عن مساعيها.
وأوضح باحث آخر أن بزوغ نجم محمد بن سلمان، في مركز صناعة القرار السعودي، يُعدّ محفزا ومنشطا عسكريا واقتصاديا للعالم العربي، وللولايات المتحدة الأميركية التي وجدت فيه حليفا قويا في التركيز على التهديد الإيراني، أرهب إيران وجعلها تعيد حساباتها، وأوحى إليها بأنه حان وقت المواجهة الجادة والحساب.
الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط، وفي كثير من دول العالم، وضعت كثيرا من نُخَب الغرب على طريق فهم النظام الإيراني فهما صحيحا، مغايرا لِمَا تروّجه اللوبيات المدعومة من طهران، مِمَّا يشير إلى أن تخفِّي النظام الإيراني وراء الصورة الإعلامية والابتسامات المخادعة التي يحاول رسمها أمام العالم، أصبح مكشوفا للجميع. ولكن يبقى الأهم، وهو كيف يتم تطبيق كل ذلك على واقع الأرض؟.