سمير عطا الله

يحتل «النجوم مكاناً خيالياً في عقول الشبان وقلوبهم. ويصبح الحصول على توقيع الممثلين والمشاهير نوعاً من الطموح ومتعة البلوغ. ولا أنسى مرة كيف تدافع الموظفون والعمال السود نحو محمد علي كلاي في محطة قطارات نيويورك. ولم يكن مع أحدهم ورقة أو دفتر أو كتاب يوقع عليه، فمزق قميصه فرحاً، وطلب من كلاي أن يوقع على صدره. وضحك الملاكم الأسطوري وهو يخط اسمه.

طلبت توقيع رجل شهير مرة واحدة في حياتي. فقد وجدتني ذات يوم في مطار أورلي فجأة أمام بيار منديس فرانس، أحد رؤساء وزراء فرنسا التاريخيين. وسألته إن كان يمانع بالإجابة عن بعض الأسئلة. ورحب بتواضع الكبار. كان ذلك في أواخر الستينات، والرجل هو رمز إخراج فرنسا من فيتنام، التي تغرق في دمائها أميركا الآن. وبعد المقابلة القصيرة قلت في نفسي، كيف أثبت لـ«النهار» أنني حقاً تحدثت إلى منديس فرانس؟ لم تكن هناك «سلفي» في تلك الأيام، ولا هواتف تُصوِّر. إذن، الإثبات الممكن هو توقيع الرجل. ولم يكن معي ما يوقّع عليه سوى جواز سفري، فتواضع الرجل مرة أخرى، وقَبِل أن يعطي الصحافي الناشئ الإثبات المطلوب. لا أدري كم جواز سفر أكملت في حياتي. لكن واحداً منها يؤكد أنني طلبت توقيعاً مثل المفتونين بجمع التواقيع.

في عمر مبكر، فقدت دهشة الخيال، وأدركت أن النجوم بشر والسينما خيال. كانت بيروت تجتذب فناني العالم من كل مكان. وكنا نراهم بيننا مثل الناس العاديين يعبرون في شوارعها القديمة، متمتعين بعبقها. وذات يوم كنت ذاهباً إلى مكاتب «النهار» العتيقة في «سوق الطويلة» عندما رأيت المغني شارل إزنافور يتمشى وحيداً، متأملاً مباهج الشرق القديم في السوق المسقوف.

لم يتعرف إليه أحد. وبعد أعوام سوف يتكرر المشهد في لندن: داستن هوفمان، أحد أشهر ممثلي هوليوود، يتمشى وحيداً في «هايد بارك»، ولا يتعرف عليه أحد، إلا ربما بط البحيرة. فقد كان يقفز كمن رأى متنزهاً غير مألوف.

قبل أسابيع، توفي عن 90 عاماً، السير روجر مور، ثاني جيمس بوند. وكان بالنسبة إليّ أكثر بطل متخيل عرفته عن قرب، بسبب صداقته القديمة - ثم علاقة المصاهرة - مع رفيق العمر، رجا صيداوي، رأينا مرة بعد أخرى، الفارق بين السينما والواقع.

كان روجر لا يزال في كامل وسامته وفي لهجته المسرحية الآسرة وأناقة «بطل الشاشة»، ولكن بدل أن يكون محاطاً بسبع حسناوات دفعة واحدة، كانت ترافقه دائماً زوجته كريستينا. وأحياناً، بعض أبنائه. وقد تزوج كبيرهم كريستشان من لارا صيداوي. روجر الإنسان، مثل جميع نجوم الشاشة، كان كأنه نسخة مزورة عن روجر السينما، خصوصاً بسبب شهرته، جيمس بوند.
إلى اللقاء..