أحمد السيد عطيف

نحترم قطر وشعبها، لكن تجربة حكومتها السياسية في الفترة الأخيرة تفتقر إلى العمق الذي يمنحها النضج، فهي لا ترى النجاح السياسي إلا في التآمر والكذب

ليس من السياسة فعل الشيء ونقيضه، وقول الشيء ونقيضه، فالسلوك المتناقض نقيصةٌ لا بد أن تظهر يوما، والقول المتناقض هو كذب خالص سينكشف، فحبل الكذب قصير.

تردد الحكومة القطرية أنها مستعدة للحوار، وإظهار الاستعداد للحوار سلوك راقٍ وقويم، لكن أن تقوله الحكومة القطرية، فهو في سياق المرض والكذب، لأن الحوار استمر أكثر من 10 سنوات، وتخللته التزامات وتوقيعات لم تلتزم بها حكومة قطر، فما قيمة القول الآن بالاستعداد للحوار؟! 

وتردد حكومة قطر أنها ترفض المساس بسيادتها، في الوقت الذي لم يقل ولا ينوي أحد المساس بها، وما حصل إنما هو عتبٌ لكفّ قطر عن المساس بسيادة غيرها. 

لحكومة قطر سيادتها على أرضها وسمائها ومياهها، كما للآخرين سيادتهم على أرضهم وسمائهم ومياههم، وما حصل إنما هو ممارسة للسيادة وحماية للأمن لا أكثر. لكن الحكومة القطرية تفهم أن ممارسة الآخرين سيادتهم هو مساس بسيادتها هي؟!

تقول حكومة قطر، إنها تفضل الحل السياسي للأزمة، وترفض التصعيد العسكري، في الوقت الذي لم يهددها أحد عسكريا، ولم يقل أحد إنه يريد حلا عسكريا، بل إن التصعيد العسكري تفعله الحكومة القطرية من أول يوم، باستدعائها للفزعة التركية. 

إظهار الرغبة في الحوار والحل السياسي سلوك محترم، لكنه من حكومة قطر كذبٌ رخيص. 

نحترم قطر وشعبها، لكن تجربة حكومتها السياسية في الفترة الأخيرة تفتقر إلى العمق الذي يمنحها النضج، فهي لا ترى النجاح السياسي إلا في التآمر والمال والتناقض والكذب والقفز هنا وهناك، لاستعراض قدرات مزيفة ووهمية.

لا تاريخ ولا جغرافيا قطر يسمح لها بهذا الاستعراض، فأدوار الدول لا تنشأ اعتباطا أو لعامل المال وحده، أو عامل الإعلام وحده. أدوار الدول يحددها موقعها وحجمها وتاريخها السياسي.

أي معنى لظهور جندي قطري في طرابلس ليبيا؟ وأي معنى لحربها الشرسة ضد مصر؟ تاريخ قطر السياسي وموقعها وحجمها لا يسمح لها بذلك، هي تقوم بدور لا يستند إلى مقوماتها الأساسية التي منحها لها التاريخ والجغرافيا. تقوم بدور ضد طبيعة الأشياء وضد سنن الكون. وكان لا بد أن تنفجر هذه الفقاعة. 

قواعد أميركية أو تركية في قطر، هي أشياء زائلة وقراراتها في يدٍ غير اليد القطرية، ولذلك فالقواعد الأجنبية ليست من المقومات الطبيعية للدول. المال عامل مساعد في نجاح السياسات، لكنه متذبذب وزائل ومرتهن لعوامل أخرى، ليس ثابتا وخالدا كالتاريخ والجغرافيا. 
لا يحدد أدوار الدول إلا جغرافيتها وتاريخها، والواقع أنه يفرضها فرضا وليس يحددها. إذا أردت أن تلعب دورا خارج مقومات تاريخك وجغرافيتك فهناك دور واحد، هو أن تكون أداة لغيرك، ولكل أداة دور يحدده وينهيه مستخدمها. وهو ما حدث مع حكومة قطر.
أحد أهم عوامل النجاح السياسي، المصداقية، لكن الحكومة القطرية ليس في تاريخها مصداقية، لا سرا ولا علنا، وهذا السلوك القبيح أوصل الحكومة القطرية إلى هذه النقطة التي كان لا بد منها.

لم يكن التناقض والكذب والنكث بالعهود يوما من أدوات المكر والدهاء السياسي، كلا، فالدهاء السياسي أن تحمي مصالح بلدك، وأن تنسج لها علاقاتك بمهاراتك ومصداقيتك واحترامك خيارات ومصالح الآخرين، لا أن تكون في حماية جيرانك الأقربين، وأنت تحفر لهم وتتآمر عليهم بسذاجة بلهاء. 

فسحة الزمن الطبيعية التي تُمنح عادة للكاذب قبل انكشافه، انتهت، ولغة الصبر والحوار وصلت إلى طريق مسدود، لأنها لا تفلح مع الخائن، وانتهت الثقة أيضا. 

لم ينقطع الحوار مع حكومة قطر، فقطع العلاقات وإغلاق الحدود، هي لغة حوار أيضا، ربما تفهمها حكومة قطر، وليتها تفعل قبل فوات الأوان، وإن لم تفهمها فهذا شأنها، وسيبقى الحال على ما هو عليه الآن.

الفرصة سانحة الآن لإعادة الأمور إلى نصابها، مهما طال الوقت، فعمّا قليل سيخف زخم اهتمام العالم بهذه القصة، وسيبقى الحكم للتاريخ والجغرافيا، وهو الأمر الذي يفهمه العالم، وقدموا نصائحهم بحل الأمور داخل مجلس التعاون لدول الخليج. أي الاحتكام إلى منطق التاريخ والجغرافيا، وهنا يوجد حل وحيد تعرفه حكومة قطر حق المعرفة.