خالد الطراح

حفل شهر رمضان للعام الحالي بمبادرات وإبداعات فنية متنوعة، حملتها رسائل جهات تجارية خاصة، وبعض الجهات الحكومية، تميز معظمها بالاعتماد على استثمار الفن من أغان وأناشيد، في إثراء خطاب التسامح، وترسيخ قيم التراحم والسلام، ونبذ العنف والانقسام الطائفي والعرقي.

الرسائل التي نشدها وتغنى بها الأطفال والكبار في بعض شبكات التلفزيون على أنغام موسيقية جاذبة، سواء كانت دعائية وإعلانية، أو مسلسلات وإنتاجا تلفزيونيا متنوعا، كانت خير وسيلة ونافذة للتواصل مع المشاهد، خصوصا خلال شهر رمضان المبارك، حيث تتكثف فيه عملية المتابعة والمشاهدة، بالرغم من الاختلاف الكبير في قيمة الدقيقة لأي عروض تلفزيونية خلال شهر الصيام.

تخللت الشهر المبارك رسائل في أوقات ذروة المشاهدة من خلال أغان وأناشيد جسدت رغبات وتطلعات بشرية من مختلف الأديان والأعراق، نتج عنها تفاعل إيجابي في استقبال تلك الرسائل ورسوخها في الأذهان، حتى بات الأطفال يرددون بعض الأغاني، وهو ما يمكن أن يمهد لنشر ثقافة التسامح، وخلق أجيال مؤيدة لمواجهة العنف والتطرف، وترجمة الأقوال إلى أفعال، خصوصا حين ينشأ جمهور مهيأ ومتفهم لما تعانيه شعوب العالم من تطرف فكري وغلو في التصرف والسلوك والخطاب بذريعة الجهاد.

لا شك أن انطلاق حملات متناغمة في الأهداف، وبشكل مبسط ومقبول اجتماعيا وشعبيا، من قبل كل الفئات العمرية، وبلغة فنية تضم كلمات وأنغاماً تستهدف الوقوف ضد ما يشهده العالم من عواصف من العنف وعمليات انتحارية، ينفذها أصحاب عقول غُرر بها وتم فصلها بشكل تام عن الواقع وجوهر الشريعة الإسلامية، عمليات حصدت أرواحا بريئة من أطفال وشباب وآباء وأمهات وأزواج من مختلف الأديان باسم الدين والجهاد!

الخطاب الديني، للأسف الشديد، انحرف عن مساره الأساسي ومنذ سنوات وأمام مرآى ومسمع الجميع، وضحاياه باتوا اليوم بالآلاف في مختلف القارات، وهو ما يستدعي إعادة النظر بالخطاب الديني والتفكير بلغات، وخطاب يعتمد على أسلوب الوصول إلى الضمائر من دون ترويع، وخير وسيلة لا شك النصيحة، واستغلال أيضا أدوات الاتصال ونوافذ التواصل، سواء من خلال إعادة النظر في مضامين الخطاب الديني لبعض الجماعات، وتبني أيضا وسائل أخرى، كالفنون والغناء والأناشيد، حتى يعم التراحم والتسامح بدلا من أعمال تخلق نزعات انتحارية تستهدف أفراد الأسرة والمجتمع الواحد!

مهم أن تكون هناك أدوات قياس للرأي العام، ومدى فعالية الرسالة الإعلامية في ترسيخ قيم التسامح حتى تتم الاستفادة من تطوير الخطابين الإعلامي والديني على وجه التحديد، بما يتناسب مع تحديات اليوم والمستقبل أيضا بعيداً عن لغات توجيهات هذا وذاك من المسؤولين، في أعمال هي في الأساس من صميم مهام العمل.

لعله من المناسب التذكير بالتأثير الإعلامي والسياسي لأمسية «الليلة المحمدية»، التي أقيمت في مصر أثناء محنة الغزو، وهي من كلمات الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي، والدموع التي ذرفت من جميع من استمع إلى تلك الأمسية، وخلفت ذكرى تاريخية إلى اليوم! من المفيد الاعتماد على معايير قياس عدد المشاهدين لأي برامج تلفزيونية، بالمقارنة مع شبكات أخرى على الصعيد الإخباري والترفيهي، بالرغم من أن ليس من مسؤولية الدولة الإنفاق على الترفيه، فيكفي التركيز على الأمن الاجتماعي والدفاعي والسياسة الخارجية، والنجاح على هذه المستويات!