أحمد الغز

جاءت المقاطعة الخليجية المصرية لتنهي أزمة عقدين من الالتباس مع قطر، وهذا ما تؤكده البيانات الرسمية للدول المقاطعة، كما أنها جاءت بعد الاتفاق العربي والإسلامي الأميركي على محاربة الإرهاب

إن متابعة ما يجري في الخليج من لبنان تختلف عن متابعة الخليجيين أو المصريين رغم تداخل هذه التطورات مع ما يجري في المشرق العربي بشكل عميق ومتصل. فبعض المشرقيين في لبنان يرى أن أزمة الخليج هي نهاية الأزمات وليست بدايتها. وطبعا هذا الأمر لا نستطيع إقناع الخليجيين به، لأنهم يعيشون الأزمة مباشرة وبعمق غير مسبوق، في حين يعيش المشرقيون حماوة النزاع في سورية والعراق ولبنان. وهنا لا بد من تعميق القراءات لتوضيح كيف تكون الأزمات مع قطر هي نهاية الأزمة وليست بدايتها. 
المتابعون للواقع الخليجي يَرون أن هذه الأزمة عمرها ما يزيد على العقدين من الزمان، وتحديدا بعد عملية احتلال الكويت وتحريرها ونتائجها الكارثية على الواقع العربي عموما والخليجي خصوصا، إذ تعرضت دولة الكويت الصغيرة للغزو والاحتلال من قبل شقيقة كبرى، مما برر للبعض الذهاب بعيدا في سياسة حماية الذات، ومنها إنشاء أكبر قاعدة أميركية خارج أميركا وتطورات انقلابية ثم تأسيس قناة تلفزيونية أسهمت في سياسات الفوضى الخلاقة وأسست لعملية التحولات القصرية خلال ما عرف بالربيع العربي الذي قوض استقرار كل الدول العربية واستنزف مقدراتها، وسمح لإيران وتركيا بالتدخل في السياسات الداخلية للدول العربية، مع محاولة تفكيك المجتمعات الإسلامية والعربية على أسس مذهبية وعرقية مدمّرة كما حصل في العراق ويحصل في سورية. 
جاءت المقاطعة الخليجية المصرية لتنهي أزمة عقدين من الالتباس مع قطر، وهذا ما تؤكده البيانات الرسمية للدول المقاطعة، كما أنها جاءت بعد الاتفاق العربي والإسلامي الأميركي على محاربة الإرهاب خلال قمة الرياض التي أعلنت الحرب على الإرهاب بكل الوسائل، من إعلان تجفيف مصادر التمويل عبر القمة الخليجية الأميركية، مرورا بالإعلان عن تحالف عسكري عربي إسلامي دولي لمحاربة الإرهاب والحديث عن ناتو عربي، وصولا إلى إطلاق مركز اعتدال لمنع التطرف العنيف في الرياض.
أحيانا تكون الدبلوماسية هي مقدمة للحروب، وأحيانا أخرى تكون الحروب هي المقدمة للدبلوماسية. وهذا ما يستدعي متابعة كل التطورات الدبلوماسية التي تمت حتى الآن على قاعدة التحضير للحرب على الإرهاب، من قمة الرياض إلى اجتماعات الدول الصناعية السبع إلى اجتماعات الناتو في بروكسل، بالإضافة إلى المقاطعة الرباعية لقطر إلى اجتماعات أستانة حول سورية إلى القمة الروسية الأميركية التي تحدث الآن على هامش قمة العشرين في هامبورج. فهناك من يعتقد أن جميع هذه القمم والاجتماعات ما هي إلا مقدمة للحرب العالمية على الإرهاب، والتي أصبحت على الأبواب على أكثر من مستوى وفي أكثر من مكان، وأن المقاطعة العربية لقطر جاءت من أجل التوقف عن تمويل الإرهاب وبداية إعلان الحرب.
سنتابع في الأيام القادمة نتائج القمة الحالية بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي بوتين في ألمانيا على هامش قمة العشرين. البعض سيتابع تصريحات وزراء الخارجية أو سفراء وممثلي الدولتين أي الاتجاه الدبلوماسي، وغالبا ما سيكون مخالفا لتصريحات وتحركات وزراء الدفاع والقادة العسكريين والميدانيين. وهذا ما تابعناه في أحاديث وزير خارجية أميركا تيلرسون خلال الأزمة الخليجية أو السورية بشكل يتعارض مع تصريحات وزير الدفاع ماتيس، والأمر عينه بالنسبة للروس والخلاف بين وزارتي الخارجية والدفاع.
لا بد من وضع الأزمة الخليجية في هذا السياق الكبير الذي تعيشه المنطقة والعالم، واعتبار الحزم في عدم التهاون في تمويل الإرهاب هو أحد أشكال الحرب على الإرهاب التي انطلقت من قمة الرياض. وهذا ما أكد عليه بيان وزراء خارجية الدول الأربع من القاهرة، من خلال وضع الأسس التي تعيد الاعتبار للاستقرار الإقليمي والدولي بناء على مبادئ الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية واتفاق الرياض 2013 والقمة العربية الإسلامية الأميركية، مما يجعل من الدبلوماسية عملا تحضيريا للحرب العالمية على الإرهاب التي ستشهدها المنطقة في الأيام القادمة.