خالد أحمد الطراح

 المزادات مقننة عادة في شتى المجالات التجارية، ولكن يبدو أن هناك مزاداً للقرارات الحكومية!
الاجتهاد ليس مكانه السياسات الحكومية، فكثرة الاجتهادات ممكن أن تحول القرارات إلى مزاد بين قياديي أجهزة ومؤسسات الدولة وتخلق فوضى في السياسات!
هناك أمثلة عديدة على الفوضى ومزاد القرارات كتصريح أمين عام إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي السيد فوزي المجدلي، الذي عبّر عن أمله بتصريح صحافي في «تحقيق الرؤية الوطنية» لصاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه في «دعم المسيرة الاقتصادية الكويتية، من خلال دعم ومساندة المواطنين وتحفيزهم على الالتحاق بالعمل الحر والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، لتخفيف العبء عن القطاع الحكومي وإعادة هيكلة تركيبة القوى العاملة الوطنية لمصلحة القطاع الخاص» (الأنباء 2017/5/24).
الرؤية السامية انطلقت منذ سنوات، حين قام صاحب السمو بجولة في دول العالم، ومنها تحديداً الدول الآسيوية للاستفادة من تجارب تلك الدول اقتصادياً، لا سيما خلق شراكة حقيقية مع القطاع الخاص، تمهيداً لتحول الكويت إلى مركز تجاري ومالي عالمي، ولكن الرؤية لم تتضمن، وفقاً لما نشر إعلامياً وكذلك موقع الديوان الأميري، التفاصيل التي ذكرها الأمين العام المجدلي بخصوص «المشاريع الصغيرة والمتوسطة وإعادة تركيبة القوى العاملة»، فتلك المحاور تعتبر أهدافاً للرؤية الاقتصادية وما تردد عن حلم «كويت 2035 الجديدة» وهو ما ينبغي توخي الدقة في نسب محاور تنموية هي أساساً ترجمة للرؤية السامية!
لم يوفق المجدلي في تصريحه، الذي يأتي قبل اندماج الهيئة العامة للقوى العاملة التابعة لوزارة الشؤون مع برنامج إعادة الهيكلة والجهاز التنفيذي التابع لجهة وزارية أخرى، جاء فيه «إن أملاك الدولة في مناطق المباركية والشويخ والجمعيات التعاونية» يجب أن يتم «استغلالها من قبل المواطنين الشباب وليس الوافدين»، وهو «اقتراح وطني لإعادة الهيكلة»، بحيث يتم حصر الرخص التجارية بالشباب الكويتي فقط!
الرخص التجارية للأنشطة في المباركية وغيرها من مناطق الكويت هي أساساً عائدة إلى شباب كويتيين، وهم يزاولون بأنفسهم الإدارة والتشغيل أيضاً، بما في ذلك الطبخ، ولكن عملياً لا بد من الاستعانة بعمالة وافدة للقيام بأعمال خدمية لا تستوعب أو حتى يمكن أن تجذب الشباب الكويتي إلى العمل فيها، علاوة على أن رأسمال المشاريع الصغيرة والمتوسطة لا يمكن أن يغطي رواتب مجزية للمواطنين!
عدم توظيف الشباب الكويتي في مثل هذه المشاريع ليس «إهداراً لحق الشباب» بحسب وصف المجدلي، وإنما الإهدار في عدم قدرة «إعادة الهيكلة» على معالجة الاختلال في سوق العمل من خلال سياسات واقعية تخلق شراكة مع القطاع الخاص، خصوصاً في المشاريع الضخمة التي يمكن أن تستوعب الشباب الكويتي إذا ما كانت هناك رؤية حكومية لبيئة العمل المناسبة!
«الإهدار» هو في الإنفاق الحكومي على أجهزة متشابكة في أعمالها، مثل إعادة الهيكلة وهيئة القوى العاملة، وفي ثغرات الرخص التجارية التي لم يتمكن جهاز إعادة الهيكلة من معالجتها رسمياً، ولكنه استطاع تحديد المشكلة إعلامياً فقط في «رخص بالباطن للوافدين في منطقة المباركية»!
الإهدار أيضاً في الالتفات عن مصدر الأزمة وليس في رخص الباطن، وهو واقع له تاريخ رسمي وليس وليد الأمس!
يكفينا ما نشهده من مسرحيات دغدغة الشارع، وتحول الساحة إلى مزادات وحراج لاجتهادات لا أساس لها موضوعياً أو منطقياً!