علي سعد الموسى

أحيانا يأخذني الإحباط عندما أشاهد كل حدث أو مناسبة في تفاصيل حياتنا وقد تحولت إلى شيء من معارك الكلام والردح، كان هذا شعوري ما قبل البارحة وأنا أشاهد مبارزة ومباراة «الفريقين» لمجرد عودة مسرح المفتاحة الشهير إلى بعض مما كان في تاريخه. ومثل كُثر، تلقيت عشرات الرسائل وبعض الاتصالات التي تطلب طرفي ذات النقيض:

أن أرحب بعودته أو أن أشجب وأستنكر وكأن زاوية مقال قد تصنع أو تلغى. شكوت ألمي لمثل هذه المعارك إلى زميل. كانت وجهة نظره أن مثل هذه الآراء المتضادة المتضاربة حول أي قضية هي ظاهرة صحية. دعوا للناس حرية إبداء وجهات نظرهم للقبول أو الرفض، فالعلم يقول إن مجرد البوح بما تراه يمتص على الدوام صدمة أي فكرة.
والحق أن مسرح المفتاحة سيظل مؤشرا لقياسات قبولنا أو رفضنا للحركة الفنية الوطنية. لم يكن وحده الذي أغلق خلال عقد كامل من الزمن، بل كان معه أيضا كل المسارح الوطنية. مسرح المفتاحة استأثر من بينها جميعا بزخم الإغلاق وردة فعل العودة، لا لشيء إلا لأنه الرائد والأكبر. حظي بهذا الاهتمام بوصفه الرمز، وهذه هي الحقيقة، ومن هنا سأبدأ المقال: سأكون ضد معركة الردح وضد مصطلحات مثل «عودة الحياة» و«أعداء الحياة». 
أنا أكتب ظهر السبت على وقع الإعادة الكاملة للحفلة. كان هذا الاستعراض المسرحي المكتمل في كل أركانه الباذخة حد الطفرة، هو بعض ما تحتاجه هذه «الأبهى» لاستعادة شيء من وهجها الدعائي. برهنت أبها ما قبل البارحة، وعبر هذا الجمهور العريض الذي لم يترك كرسيا شاغرا واحدا، على أنها جمهور حضاري ذواق، وكان الأروع من هذا كله أن كل هذه الآلاف الثلاثة دخلت إلى مسرح المفتاحة وغادرت دون حالة خدش واحدة شاردة للذائقة العامة. وحين كانت «الكاميرا» تنتقل إلى زوايا وقلب هذا المسرح المهيب ينتابك الإحساس أن كل شاب من هؤلاء يبدو أكثر حرصا على نجاح ليلة العودة التاريخية. ناهيك عن أن صاحب الليلة ونجمها، فنان العرب، كان في كامل الألق والاستعداد في كل التفاصيل، وكأنه قلب الهجوم في مباراة بطولة نهائية، أو كما قال لي صديق: كأنه في مباراة وداع. الحق أنه عاد للمسرح الذي يحب كما لم يحب مسرحا غيره، وللجمهور الذي يعشق. أما كتائب الرفض فلهم من الجميع كل الاحترام لأي وجهة نظر. لو كان الأمر بيد هؤلاء لألغينا كل رحلة طيران تسافر إلى مدن أعجمية، ولهم في ذلك سبك فتاواهم، لهم أيضا سبكها حتى في تحريم كل أنساق فنوننا التراثية البريئة لشبهة التمايل، وكأنهم يريدون لنا معها أن نكون مثل الأخشاب الجافة. وحين لم يجدوا حجة في وجه عودة مسرح المفتاحة لم يجدوا إلا حسابات المسافة ما بينه وبين حد البطولة والشرف الجنوبي. الرد البسيط إلى كل عدو أننا نحتفي ونحتفل في بلد آمن مطمئن.