سمير عطا الله

 في الخمسينات والستينات وحتى اشتعال الحرب الأهلية منتصف السبعينات، كانت السينما في بيروت السلوى الأولى. في نهاية الأسبوع يندفع ألوف الناس، وخصوصاً الشباب، إلى الدور المنتشرة في ساحة البرج ومحيطها وسط البلد، لمشاهدة آخر الأفلام القادمة من هوليوود. وعلى صعيد أقل أهمية، كانت هناك صالتان صغيرتان تعرضان الأفلام الفرنسية أو الإيطالية. وكانت الصالات التي تعرض الأفلام المصرية قديمة، وغالباً ما تعرض أفلاماً قديمة أيضاً. إلى أن قررت جمعية المقاصد الإسلامية كسر هذا الفارق الظاهر، فقامت ببناء صالة «الريفولي» لعرض أحدث الأفلام القادمة من القاهرة، وغالباً ما يدعى إلى الافتتاح نجم أو نجمة الفيلم.

كانت معظم الأفلام عاطفية رومانسية. وكانت القصة على الشاشة تتشابه مع قصص الحضور في الصالة، فتسمع أحياناً أصوات البكاء، أو ترى العيون المتورمة بعد انتهاء الفيلم وخروج الناس، مع احترام أحزانهم وخيباتهم. وقد وصفت الروائية حنان الشيخ بمهارة فائقة ومشاعر عميقة، علاقة أمها وأحزانها مع السينما في روايتها «شرح يطول»، وهي إحدى أجمل ما كُتب عن حياة بيروت في الخمسينات، وأصدقها، وأكثرها جرأة.
الشباب الحالمون كانوا يتماهون أيضاً مع «الأبطال». مرة مع الكاوبوي الشجاع، ومرة مع العاشق المحروم، ومرة مع الشرطي الذكي الذي لا يترك جريمة مستعصية إلا ويحلها قبل نهاية الفيلم. «النهاية السعيدة» كانت أيضاً من أول شروط النجاح. وويل للفيلم الذي يقول الحقيقة ويترك البطل مهزوماً.
كان الجاذب الأول، اسم النجم. وكان الاسم الكبير ضمانة بأن القصة والإخراج والتمثيل سوف تكون جميعاً من الدرجة الأولى. وكانت بعض الأسماء تكفي بمجرد ظهورها على الملصقات، لوقوف الناس بالطوابير الطويلة أمام شباك التذاكر. وكان عرض الملصقات على مداخل الصالات فناً قائماً بذاته. وكان يقوم برسم صور الأبطال في مشاهد درامية، رسامون بارعون لم يعترف لهم أحد بالقدرة الفنية. إنهم «تجاريون»، غير «مبدعين»، ينقلون الأشياء نقلاً «دون روح». وبسبب رخص أجورهم، كلف والدي أحدهم ذات يوم، بأن يرسم صورة للقرية نعلقها في الدار. وإلى الآن هي من أثمن ما أملك. وقد فقدنا في ترحل البيوت والمنازل أشياء كثيرة، لكنها تبقى في صدر كل دار.
إلى اللقاء...