خالد أحمد الطراح

حين اكتملت ولادة مجلس التعاون الخليجي قبل 36 عاماً، كان العامل المشترك في تلك الفترة أن مصير الدول الأعضاء هو مصير واحد على مختلف المستويات، لكن منذ سنوات تتعقد بعض الملفات، ثم تعود شكلياً إلى بعض الهدوء المصحوب بالحذر!


ما نشهده اليوم من خلاف خليجي ـــ خليجي ليس مفاجأة سياسية، فقد عرفت تحديداً دول «الخليجي»، الأطراف في الخلاف الحالي، تطورات سياسية لا بد أن تقود إلى رؤية جديدة محلياً ودولياً، لكن يفترض أن يظل المصير المشترك يجمع الدول الأعضاء ولا يفرقها، وإنما اليوم طرأ اختلاف في تعريف المصير والمصالح المشتركة حتى بات المصير مجهولاً في ظل التعقيدات الحالية.
هناك «قائمة مطالب»، وهناك أيضاً تحفظ عليها، وفي كل الأحوال يفترض بالمطالب أن تكون قابلة للتفاوض من أجل الوصول إلى حل براغماتي، من شأنه أن يجعل سقف المطالب ليس عالياً جداً، حتى لا تصبح عملية التحقيق مستحيلة.
لا بد من إدراك أن تعقيدات اليوم هي نتيجة تراكمات سياسية لم تعالج بشكل جذري، وربما غلب على أسلوب المعالجة المجاملة وليس الشفافية والمصارحة، ولعل ما نشهده حالياً من تراشق إعلامي يؤكد أن البيئة السياسية لم تكن صحية، فقد دخل الخلاف مرحلة ما هو مقبول وغير مقبول!
إن نار الإرهاب طالت دول الخليج، مثلما حصل في العالم أجمع، ولا شك أيضاً أن لولا وجود بيئة حاضنة للإرهاب في الخليج والجوار الإقليمي ما كان لناره أن تنتشر إلى ما وصلنا إليه حالياً!
تطويق الإرهاب ضرورة مفروغ منها، لكن من المهم تحديد الأولويات حسب درجاتها والتفاهم حولها من دون النظر من زاوية الربح والخسارة، فالخاسر والرابح دول وشعوب التعاون الخليجي، علاوة على عدم وجود تعريف مشترك للإرهاب، ربما يعقد التفاهم حول إجراءات التصدي له، فقد دخلت بعض المفردات على القاموس السياسي، مما جعل الاتفاق حول التصدي للإرهاب متبايناً!
التشدد في المطالب وطرحها كشروط ليسا السبيل نحو التفاهم، ولا الرفض القاطع والرد المتشدد موقفاً حصيفاً في حل أزمة قد تتعقد أكثر مما هي عليه بين دول شقيقة وشريكة في المصير.
مسيرة مجلس التعاون لم تخلُ من الإخفاقات، وخير مثال حالة الموت السريري للأمانة العامة للمجلس، لكن هذا لا ينبغي تفسيره بأنه أساس الخلاف، وإنما بالأحرى إعادة النظر بالمعوقات وتقريب وجهات النظر وتصحيح مسار العمل المشترك.
تعقيدات كهذه ليس حلها من منابر إعلامية، وإنما يفترض جعلها نوافذ للتفاهم وتقريب المواقف وليس لتعميق هوة الخلاف!
لا بد من مراعاة التوقيت وطبيعة التحديات المحيطة، فالانقسام لن يكون في مصلحة أي طرف، بل الجلوس وراء كواليس مغلقة تسبقه الرغبات في الاتفاق، مع الأخذ بعين الاعتبار حاجة كل طرف خليجي للآخر، خصوصاً في ظل تزايد التحالفات والتقارب في العالم، على عكس ما يحصل بين دول التعاون الخليجي، إلى جانب تعدد المطامع الخارجية واختلافها شكلاً وموضوعاً عن السابق!
مبادرة الوساطة الكويتية تسير قدماً في ظل أجواء مشحونة وتراشق رسمي وإعلامي، وهو ما ينبغي وقفه تمهيداً لمفاوضات تنتهي بالاتفاق وليس بالخلاف، فهناك أطراف خارجية تستفيد من أي فراق وخلاف خليجي، وهو ما يجب إدراكه حفاظاً على المصير الواحد والمصالح المشتركة.