عبدالله السوبجي

هل أجاد الفلسطينيون والعرب إدارة الصراع مع الكيان الصهيوني؟ وهل كانت لديهم استراتيجية واضحة لإدارة الصراع؟ سؤالان تجيب عنهما النتائج التي يعلمها الجميع.

حين انطلقت الثورة الفلسطينية في ستينات القرن الماضي، طرحت شعارات كثيرة من بينها؛ تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وثورة حتى النصر. وإذا كان الشعار الأول واضحاً، فإن الشعار الثاني ظل ملتبساً، إذ لم يشر إلى أي نصر، وشكله وطبيعته. إلى أن كشفت مصادر وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية «سي آي إيه» منذ سنوات، عن طريق كتب نشرها ضباطها وعملاؤها، عن اتصالات كانت تجري بين المقربين من الرئيس الراحل ياسر عرفات وخاصة «علي حسن سلامة» مدير الاستخبارات الفلسطينية، وضباط وكالة الاستخبارات، دارت حول إقامة وطن تم الاختلاف على حدوده، خاصة بعد حرب 1967، وما تمخض عنها من احتلال «إسرائيل» لبقية الأراضي الفلسطينية؛ الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية. 
وخيارات إقامة ذلك الوطن كان من خلال شعار تم الإعلان عنه في بداية السبعينات من القرن الماضي، أي إقامة كيان فلسطيني على أي شبر يتم تحريره، حتى لو على مدينة أريحا الصغيرة، ثم تم طرح إقامة دولة مشتركة تضم الأردنيين والضفة، وتم رفض تلك الخيارات من قبل كيسنجر، وتعرضت الثورة الفلسطينية إلى هزيمتين شنيعتين، الأولى في العام 1970 في الأردن، والثانية في العام 1982 في لبنان إثر اجتياح الجيش «إلإسرائيلي» لمناطق شاسعة من لبنان ووصل إلى بيروت، وتشتت المقاتلون والسياسيون الفلسطينيون، وانتهى خيار الكفاح المسلح، وغاب شعار «ثورة حتى النصر» وحلت محله المفاوضات.
لقد فشل الفلسطينيون في إدارة ثورتهم في الأردن ولبنان لأسباب كثيرة أهمها، احتكاكهم المباشر بالسيادة في الدولتين، فجعلوا انتشارهم في المدن والمخيمات وليس في الجبال والغابات، المكان الذي يجب أن يكون فيه الثوار، وغيرها من الأسباب ذات الصلة بالقيادة والرؤيا السياسية والعسكرية والسلوك التنظيمي، وتراجعوا تاركين الشعب يعاني من المذابح والقتل والفقر والتشرد، (مذابح صبرا وشاتيلا وتل الزعتر).

المفاوضات التي أرادوها استراتيجية بديلة للوصول إلى غاياتهم لم يديروها بشكل صحيح، واستعجلوا الدخول إلى أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، على مرأى من الجيش «الإسرائيلي»، ودون الانتهاء من الترتيبات النهائية، وما زالوا حتى اليوم في تخبط، ولا يملكون في الضفة الغربية حق منع جندي يدخل إلى مدينة أو قرية فيعتقل ويقتل ويحرق ويخرج سالماً. كل تلك الأخطاء جسيمة في إدارة الصراع، تتم في غياب استراتيجية حقيقية للمواجهة والتعامل مع الاحتلال، وقد أدت المفاوضات إلى تراجع هائل في المطالب، وانشغل الفلسطينيون في التصدي لقضايا صغيرة جداً.
«الإسرائيليون» مستعدون للتفاوض إلى أبد الدهر، وليسوا على عجلة من أمرهم، وفي كل يوم يخلقون مشكلة تشغل القيادة الفلسطينية وشعبها، فإذا حققوا جزءاً منها اعتبروه انتصاراً واحتفلوا به.

الآن وبعد الانقسام بين الضفة الغربية وغزة، يقول «الإسرائيليون» إنهم يريدون التفاوض مع الفلسطينيين لكنهم لا يجدون شريكاً، وهي حقيقة. «حماس» تسيطر على قطاع غزة ولها فكرها واستراتيجيتها، وحركة فتح تسيطر على الضفة الغربية ولها أيضاً سياساتها وتصوراتها للحل واستعادة الحقوق.

لقد تحولت السياسة الفلسطينية والعربية في التعامل مع الكيان الصهيوني إلى سياسة ردة الفعل، ومنذ أكثر من عشرين سنة والعرب والفلسطينيون يردون على أفعال «إسرائيل» وقراراتها، حتى أنها شغلتهم بقضايا معيشية مثل الكهرباء وفرص العمل والتنقل والضرائب، إلى أن طالبت «إسرائيل» بوقف عمل وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين «الأونروا»، فانتفض الفلسطينيون لمواجهة هذا الأمر، وانتفضوا في السابق ضد «الأونروا» ذاتها حين سربت أخباراً عن تقليص الخدمات الصحية والتعليمية التي تقدمها للاجئين في المخيمات في لبنان وسوريا والأردن وأيضاً في الداخل الفلسطيني. ومنذ أيام لجأت السلطات «الإسرائيلية» إلى رفع دعوى ضد أسرة فلسطينية وطالبتها بدفع 2.5 مليون دولار، لأن رب الأسرة الذي قتله «الإسرائيليون» قام بعملية فدائية قتل فيها أربعة جنود. وهي القضية الأولى من نوعها، وقد أثارت صدمة كبيرة في الشارع الفلسطيني. سينشغل الفلسطينيون بهذه القضية لفترة ثم ينتظرون أفعالاً أخرى.
وخلال الأسبوع الماضي قامت قيامة الكيان الصهيوني ولم تقعد لقرار اليونيسكو بجعل مدينة الخليل القديمة ضمن التراث الفلسطيني العالمي الذي يجب حمايته، واعتبر الفلسطينيون القرار انتصاراً كبيراً.
الفعل الوحيد الذي بادر إليه العرب والفلسطينيون هي المبادرة العربية التي أُطلقت في العام في بيروت قبل أكثر من 16 عاماً، وتطالب بقيام دولة على الأراضي التي احتلتها «إسرائيل» في العام 1967، وقال عنها «شارون» آنذاك إنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
القضية الفلسطينية تزداد تعقيداً بعد الفوضى العارمة التي اجتاحت مناطق واسعة من العالم العربي، والتي انعكست بشكل سيئ على القضية، وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الانقسام الفلسطيني مستمراً، ولا يزال العرب يقدمون التنازل يوماً بعد يوم، كل ذلك في غياب استراتيجية واضحة لإدارة الصراع العربي «الإسرائيلي». وإذا لم يتدارك الفلسطينيون والعرب هذا المأزق الفكري السياسي الوطني، فإن الكيان الصهيوني سيواصل قضم القضية الفلسطينية حتى يأتي عليها بالكامل، وقد يزيد..